عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. "أحمد المصطفى" كان فناناً نادر المثال، سما رُقيّاً بالفن السوداني، وبفضله اكتسب الفنانون الاحترام، بعد أن كانوا يُصنّفون كفئة "منفلتة" عن تقاليد المجتمعٍ ، إلى أن ظهر احمد المصطفى في الساحة الفنية. كان "أحمد المصطفى" مهذباً.. دمث الطباع..مهندماً في لبسه ، يحترم جمهوره ويقدّس فنه الذي يعتبره رسالة في المقام الأول قبل أن يكون وسيلة للتطريب وتزجية وقت الفراغ. كان "العميد" متواضعاً، منضبطاً في سلوكه، ومواكباً لأحداث عصره السياسية منها والاجتماعية،تُميِّزه تلك الابتسامة الودود التي خلقت له جسراً من التواصل بينه وبين جمهوره ومعجبيه. وبذلك حُقّ ل"أحمد المصطفى" وقد تحلّى بكل تلك الفضائل والمزايا، وامتلك ناصية فن الغناء، أن يأخذ مكانه بين صفوة شخصيات ذلك الزمان في العاصمة السودانية وخارجها. غادر "أحمد المصطفى" دنيانا في اكتوبر من عام 1999، بعد أن ترك لنا إرثاً فنياً لا يُقدّر بثمن..أكثر من مائة وخمسين أغنيةً انتقى لها من خميلة الشعر أعذبه..وأعمقه..وأكثره ثراءً بالمعاني الجميلة..قصائد تجيش بالمشاعر والعواطف التي لا تخدش الحياء، ولا تخرج عن صميم تقاليد المجتمع. غنى بنت النيل..يا عظيم..في سكون الليل..يا رائع..الوسيم..زاهي في خدره.. سفري السبب لي عناي..وغيرها من الاغنيات الرصينة. لم ينس عميد الفن وطنه الكبير فكانت..عشت يا سوداني..أنا أمدرمان تأمّل في نجوعي..يا فتاة الوطن..نحن في السودان نهوى اوطانّا..اليوم يومك يا وطن.. وطن النجوم .. وغيرها. عمل "أحمد المصطفى" على تلحين جميع أغنياته بنفسه، فقد كان يتمتع بتلك الموهبة الفطرية التي مكّنته من دخول عالم الغناء دون عناء، وهو بدوره لم يألُ جهداً في تنمية تلك الموهبة وصقلها، فكانت الحصيلة تلك المجموعة الرائعة من الأغنيات. والآن نرى أسرة الفنان الكبير "تحظُر" أداء أغنياته - تلك الدُرَر التي لن تتكرّر- تُقرِّر أسرته حفظها في خزانةٍ حديدية تموت بين برودة جدرانها كلماتها، وألحانها، وروحها. وفي النهاية "يُقبَر" تراثٌ حفر صاحبه الصخر حتى يصل به الى تلك الدرجة من التميّز. واذا عنّ لنا أن نتحدث بالتفصيل عن ذلك الإرث الفني العظيم الذي قبره أبناء الفنان الراحل ، ينبغي لنا أن نتذكّر أن وراء تلك الأعمال الرائعة شعراء رائعون قد لحق بهم الحيف أيضا من ذلك القرار المجحف و نذكر منهم على سبيل المثال الشاعر المبدع "حسن عوض أبو العلا" وكل اغنياته او معظمها وأشهرها بصوت وألحان العميد "أحمد المصطفى " وكذلك الشاعر الكبير" صلاح أحمد محمد صالح" وغيرهما . لقد أفنى أولئك الشعراء ذواتهم في تلك القصائد التي هزّت وجدان الناس ولامست قلوبهم. انّ القصيدة المؤثّرة والاسرة لا تأتي من فراغ ، بل هي ثمرة من لمخاض طويل وشاق . وهي مخلوق من لحم .. ودم .. وأعصاب . مخلوق يموت في تلك الخزانة الحديدية التي تئن من البرد جدرانها . ونحن في هذا المقام لا ننسى أيضا أن نحي العازفين المبدعين "الماحي إسماعيل" و .. "عبدالله حامد العربي " و .. حسن خواض وغيرهم من الذين صاحبوا الفنان الراحل طيلة مسيرته الفنية . من المُسلّم به أن فتح الباب على مصراعيه لكل من يسعى لأداء تلك الأغنيات يخصم من رصيدها، بل ويمسخ هويتها. وبالمقابل فإن حصرها في مقاطع "اليوتيوب" و"الكليبات"، لا يجعلها متاحة للجميع. وهذا يدفعنا الى الإشارة الى الفنان الشاب "أحمد بركات" وإلى ذلك التقارب الملحوظ بين بصمة صوته و صوت الفنان الراحل " أحمد المصطفى" - ولعل للعامل الوراثي دوراً في ذلك - ما يؤهله لأداء تلك الاغنيات على نحوٍ جيد. إن حضور الجمهور، وتفاعله، وحرارة تجاوبه، هو إكسير الحياة لتلك الأغنيات، كما إنه يساعد على نشرها بين شباب هذا الجيل فيخرج بهم من تلك الدائرة الجهنمية من الأغنيات "فارغة المحتوى" والتي أصبحت المادة "الأساسية" في قنواتنا الفضائية "فارغة المحتوى " . هذا المقال بمناسبة مرور سبعة عشر عام على وفاة عميد الفن السوداني " أحمد المصطفى" عليه رحمة الله ورضوانه