كنت أحد الذين علقوا عليها الآمال في قيادة غضب الشعب لكن هذه الجماعة خذلتني ومنيت بالاخفاق في إنجاز هذه المهمة التاريخية المعلقة. وفي تقديري المتواضع ان أخفاقها إنما يرد لضعف خبرتها التنظيمية والذي تجلى كأوضح مايكون في فشلها في تنظيم العصيان الثاني يوم 19 ديسمبر بينما تكلل عملها للعصيان الأول بالنجاح. فلماذا نجح العصيان الأول وفشل العصيان الثاني؟ كان المناخ السياسي مهيأ لنجاح العصيان الأول إذ سبقته تظاهرات تلاميذ المدارس في الخرطوم بحري وكان الناس على شفا الانفجار يئنون تحت وطأة القرارات الاقتصادية المعلنة لتوها وعلى أهبة الاستعداد للانخراط في اي عمل جماعي يقود للضغط على النظام. فاجأ قادة العصيان عامة الشعب بالدعوة لعصيان مدني ينفذ بعد ثلاثة ايام من تاريخ إعلانه. وقد وجدت الدعوة الاستجابة بالرغم من قصر مدة الدعاية والتعبئة. لكن سر نجاح العصيان إنما يكمن في قصر المدة بين تاريخ الاعلان وتاريخ التنفيذ. ذلك انه لم يمنح آلة النظام الاعلامية الفرصة للدوران بكامل قوتها اذ باغتها فلزمت الصمت حتى تكلل العصيان بالنجاح. وظل أقطاب النظام في مكامنهم حتى استوثقوا تماما الى انه ليس وراء العصيان خطة تالية للخروج الى الشارع. وهوما كانت الحالة الثورية مهيأة لذلك. لكن قادة العصيان فوتوا تلك الفرصة التاريخية دون أن يطرقوا على الفولاذ وهو حام، وتراجعوا عن الإمساك بزمام المبادرة مانحين آلنظام الوقت الكافي لالتقاط الأنفاس واعداد العدّة للانتقال من مربع الدفاع الى مربع الهجوم. ولعل ذلك هو من أوضح الشواهد على عدم امتلاك قادة العصيان لأي خطة لإسقاط النظام الذي ربما حسبت أنه سيسقط نتيجة للعصيان الاول الذي نجح دون ان يشل جهاز الدولة. وبالتالي تنفست السلطة الصعداء. بعدها ظل الناس في حال من الترقب وانتظار الخطوة التالية. وكان المدّ الثوري أثناء ذلك الإنتظار ينكسر ويتراجع مقابل تقدم المد الإعلامي للسلطة وحركة أعوانها ونشاط آلتها القمعية لملء الفراغ الناشيء. وكان من أفدح أخطاء التخطيط للعصيان الثاني امران هما : طول المدة بين الاعلان عن العصيان وتنفيذه، والمدة المقررة للعصيان والتي فوجيء الناس بأنها يوم واحد أي أنه كان أقصر من مدة العصيان الأول بيومين. بينما كان المفترض أن يحدث العكس أي ان يكون العصيان الأول تجريبياً لمدة يوم فإذا نجح يُمدّد لأكثر من يوم في العصيان الذي يليه. نتيجة لغياب الرؤية حول كيفية إسقاط النظام تمكنت السلطة من احتواء الحماس الجماهيري ودارت عجلة اعلامها وآلة قمعها واربدت عينها الحمراء خاصة في مواجهة العاملين في القطاع العام. وأدخلت في روع عامة الشعب أن الحركة الشعبية لتحرير السودان بالتحالف مع الشيوعيين هم الذين يقودون حركة العصيان من وراء حجاب. الدرس المستفاد من فشل العصيان الثاني هو أن الثورات لكي تنجح لاتعرف فترة للإستراحة بين عملين ثوريين. فاذا حزم المحكومون أمرهم خرجوا مرة واحدة لمواجهة الطغيان ثم لايستريحوا من عناء الثورة إلا بعد بلوغ الهدف النهائي .هذا ماحدث في ثورة أكتوبر 1964 وفي انتفاضة مارس أبريل 1985 وتكرر في هبات شعوب اخرى. ما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل ؟: لن تجد دعوات الاعتصام في البيوت الاستجابة فهذه الفكرة قد أتت أكلها واستنفدت عرضها ثم لفظت أنفاسها. ولكن بالمقابل سوف يتوالى تراكم الغضب الشعبي مجدداً ليجد له منفذاً في أشكال مستحدثة للمقاومة سوف تفاجئ الحكام. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.