من المؤكد أن السودان يمر حالياً بأخطر مرحلة في تاريخه السياسي المعاصر فقد لعب انفصاليو شمال السودان بالهوية السودانية حينما تبنوا الأفكار الانفصالية المتخلفة التي تمجد المثلثات العرقية والدوائر العنصرية والمربعات والمخمسات الجهوية ، لقد عبث انفصاليو شمال السودان بمفهوم المواطنة السودانية حينما سعوا نظرياً وعملياً لإنشاء دولة إسلامية مقفولة في شمال السودان يسكنها عرب لا يُوجدون في السودان الذي امتزجت حاميته بساميته وانتفت عروبته وأفريقيته وثبتت سودانيته لكل صاحب بصر وبصيرة وإن لم تثبت في عيون انفصاليي شمال السودان الذين يصح أن ينطبق عليهم القول (ليس هناك أكثر عمىً من الذين لا يريدون أن يبصروا وليس هناك أكثر صمماً من الذين لا يريدون أن يسمعوا وليس هناك أكثر جموداً وبلادةً من الذين لا يريدون أن يشعروا بأي حال من الأحوال!) لقد جمع المتمردون على وحدة السودان كل ضيق الأفق السياسي وكل قصر النظر الثقافي وراحوا يدعون أهل الشمال إلى التأهب من الآن وسن الحراب لطرد أربعة مليون جنوبي من الشمال فور انفصال الجنوب الذي راحوا يؤكدون أنه منفصل منفصل حتى قبل أن يمارس الجنوبيون حق تقرير المصير في عام 2011 وعلى الرغم من أن اتفاقية نيفاشا نفسها تتحدث في مجملها عن وحدة السودان لا عن انفصاله! ومن المؤكد أن تسعير المكايدات العرقية السخيفة وتأجيج المماحكات العنصرية المتخلفة سيؤدي ، في غياب الروح القومية الجامعة، إلى سلسلة من الانفصالات الكارثية التي لم يأخذها متمردو شمال السودان في حسبانهم لأن احتدام العنصريات البغيضة في الجنوب قد يؤدي إلى ظهور دولة الدينكا ودولة الشلك ودولة النوير وربما يسمع العالم بجمهورية الزاندي! وقد يشهد شرق السودان نشوء دولة الهدندوة ودولة الرشايدة ومملكة الحلنقة ، وقد يتشظى وسط السودان وتظهر فيه دولة الشنابلة ودولة الجموعية ودولة البطاحين ودولة الحلاويين وجمهورية الحسانية! أما غرب السودان الذي بدأ بعض أبنائه يطالبون بالإنفصال أيضاً فقد يشهد ظهور تسعة وتسعين دولة منها على سبيل المثال لا الحصر دولة النميانغ ودولة الزغاوة ودولة الفور ومملكة الرزيقات ومشيخة الحمر وجمهورية المجانين وعندها ستضيع وحدة السودان إلى الأبد وسيفر السوداني من أخيه السوداني فرار السليم من الأجرب وسيعلم متمردو شمال السودان في أي درك أسفل هم قابعون! وعلى أي حال ، ورغم تكاثر النعرات الانفصالية القبيحة داخل السودان وخارجه في الوقت الراهن، فإننا لا نملك إلا أن نمارس أضعف الإيمان السياسي وندعو الله بقولنا: الله يكضب الشينة وليبقى السودان بجنوبه وشماله ووسطه وشرقه وغربه دولة واحدة موحدة بلا مناطق أو حدود مقفولة وليظل السودان القديم هو السودان الجديد بنفس حدوده وسكانه رغم أنف المتمردين الشماليين الذين يجتهدون بشتى الوسائل والسبل لتجزئة السودان ، ذلك البلد الكبير الجميل ، وتحويله إلى دويلات صغيرة متناحرة لا حول لها ولا قوة! فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر