من المؤكد أن السودان يمر حالياً بأخطر مرحلة في تاريخه السياسي الحديث فقد لعب انفصاليو جنوب السودان بالهوية السودانية حينما تبنوا الأفكار الانفصالية التي تمجد قيام دولة الجنوب أو جمهورية الأماتونج التي تحمل علماً يختلف لونه عن علم السودان المعروف، لقد عبث انفصاليو جنوب السودان بمفهوم المواطنة السودانية حينما سعوا نظرياً وعملياً لإنشاء دولة جنوبية مقفولة في جنوب السودان يسكنها العرق الزنجي الأفريقي فقط لا غير كضد ونظير ونديد للعرق العربي الذي يهيمن على شمال وشرق ووسط وغرب السودان علماً بأن كافة السودانيين هم عرق امتزجت حاميته بساميته وانتفت عروبته وأفريقيته وثبتت سودانيته لكل صاحب بصر وبصيرة وإن لم تثبت في عيون انفصاليي جنوب السودان الذين يصح أن ينطبق عليهم القول (ليس هناك أكثر مكابرة من الذين لا يريدون أن يقتنعوا!) لقد جمع المتمردون على وحدة السودان في جنوب السودان كل ضيق الأفق السياسي وكل قصر النظر الثقافي وراحوا يحرضون أهل الجنوب على التأهب منذ الآن للتصويت لانفصال الجنوب عن السودان عند قيامهم بممارسة حق تقرير المصير في عام 2011 على الرغم من أن اتفاقية نيفاشا نفسها هي اتفاقية وحدوية إذ تتحدث في مجملها عن وحدة السودان لا عن انفصاله! ومن المؤكد أن تأجيج المكايدات العرقية والعنصرية والدينية من قبل المتمردين على وحدة السودان في جنوب السودان سيؤدي إلى ظهور دولة جنوبية مقفولة في جنوب السودان وكأن تاريخ الجنوب سيعيد نفسه حين يقوم أهله ، لا قدر الله، باستبدال المناطق المقفولة في الماضي بدولة مقفولة في الحاضر، ومن المؤكد أيضاً أن تفشي النزعة الانفصالية والترويج لها في جنوب السودان سيؤدي ، في غياب الروح القومية الوحدوية الجامعة، إلى سلسلة من الانفصالات الجنوبية الكارثية التي لم يأخذها متمردو جنوب السودان في حسبانهم لأن احتدام العنصريات البغيضة في الجنوب قد يؤدي إلى انفجار حرب القبائل الجنوبية الكبرى التي بدأت نذرها تلوح منذ الآن وتجر معها تداعيات وخيمة مثل المجاعة والمرض والنزوح الجماعي والفساد إلى درجة أن الأوضاع المتفجرة في جنوب السودان قد أصبحت تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ولا شك أن هكذا حروب قبلية جنوبية قد تؤدي في المستقبل إلى تفتت وحدة الجنوب نفسه وقد تظهر فيه دول القبائل الجنوبية مثل دولة الدينكا ودولة النوير وجمهورية الشلك ومملكة الأنواك وهلمجرا وعندها سيعلم متمردو جنوب السودان في أي درك أسفل هم قابعون! وعلى أي حال ، ورغم تكاثر النعرات الانفصالية القبيحة داخل السودان وخارجه في الوقت الراهن، فإننا لا نملك إلا أن نمارس أضعف الإيمان السياسي وندعو الله بقولنا: الله يكضب الشينة وليبقى السودان بجنوبه وشماله ووسطه وشرقه وغربه دولة واحدة موحدة بلا مناطق أو حدود مقفولة أو دول مقفولة وليظل السودان القديم هو السودان الجديد بنفس حدوده وسكانه رغم أنف المتمردين الجنوبيين الذين يجتهدون بشتى الوسائل والسبل لتجزئة السودان ، ذلك البلد الكبير الجميل ، وتحويله إلى دويلات صغيرة متناحرة لا حول لها ولا قوة! فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر