الأحد, 27 ديسمبر 2009 – جريدة "السوداني" إمام محمد إمام يُعرف عن غالبية اهل السودان انهم يجنحون الى الوسطية في كثير من الأمور، فكرا ومذهبا، ومعتقدا ورأيا، حتي في المدارس النحوية والعصور الادبية، تجدهم يستنصرون لمدرسة البصرة النحوية وفي الوقت نفسه لايقللون من اهمية ودور مدرسة الكوفة في تطور علم النحو والصرف. وكذلك الحال في الشعر تجدهم يطربون بشعر شعراء العصر العباسي، وفي الوقت ذاته يفتنون بشعر شعراء العصر الاموي، ويجمعون على ان ابا الطيب احمد بن الحسين المتنبئ استاذ الشعر العربي قديمه وحديثه. وفي الغناء والموسيقي يترخصون مع رخص ابن حزم الاندلسي، وفي ذات الوقت يتبعون في غير ذلك فتاوي شيخ الاسلام احمد بن تيمية، لذلك يمكن القول ان السودانيين بطبيعتهم السمحة وسجيتهم العفوية يميلون الى الوسطية في كل شئ. فلا غرو ان استجاب الكثيرون لدعوة كريمة وجهت اليهم من قبل اهل واقرب واصدقاء وانصار السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الامة القومي، للاحتفاء بذكرى ميلاده الرابع والسبعين، ولما كان السودانيون يبحثون هذه الايام عن ما يدخل في نفوسهم الفرحة والبهجة والانشراح، وينسيهم الى حين اضطراب الاوضاع السياسية ومشاكسة الشريكين (المؤتمر والحركة الشعبية) وقلق اجندات مسيرات تحالف إعلان جوبا، الخفية فيها والمعلنة ومصير انتخابات موعودة وقنابل الاستفتاء الموقوتة وقد كان هذا الاحتفاء بذكرى الميلاد بالنسبة للسيد الصادق المهدي ذكرى للعظة والتذاكر ومراجعة النفس وحصاد السنين وحديث صريح للحضور عن ماضٍ ولى بخيره وشره وعن حاضر ومستقبل آت بمأمول خير للسودان وبيته، اما بالنسبة للحضور فكان تعبيرا عن مشاركة فرح ومباركة عام جديد في الكتاب المؤجل ودعاء بالعمر المديد. وكان يوم الجمعة الماضي يوما مشهودا في ايام السيد الصادق المهدي، محذرا في كلمته الضافية بهذه المناسبة من الموقف السياسي الداخلي المندفع نحو استقطاب حار، وخلط فيها بتنظير محكم وتأمل سديد آفاق مجاهيل السياسة السودانية. ومن الضروري التأصيل لهذا الاحتفاء الذي يراه البعض بدعة من البدع التي تقود الى الضلالة ومن ثم الى النار، ولكن في حقيقة الامر انني اري انها من الابتداع غير المنكور، الذي يؤكد ما ذهبت اليه في تقدمة هذه العجالة من ان اهل السودان يميلون الى الوسطية في امور دينهم ودنياهم. وعليه فان الانسان من حقه ان يبتدع في العادات ما لا يتنافي مع العبادات، ولكن يحرم عليه الاتيان بالبدع في العبادات، لقوله صلي الله عليه وسلم:"كل بدعة ضلالة وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار". وقد استوقفني في حديث السيد الصادق المهدي بهذه المناسبة دعوته الى كونفدرالية بين السودان وجيرانه، مصر وليبيا واريتريا واثيوبيا لتكوين دولة تمزج بين العربية والافريقية وكنت احسب انه من الاوفق لو كان ركز السيد الصادق المهدي على كيفية انشاء كونفدرالية بين اقاليم السودان المختلفة لتكوين دولة تستطيع ان تشكل قواسم مشتركة بين شعوبها لتعيش في امن واستقرار، ومن ثم تتجه الى التنمية والازدهار. اخلص الى ان السيد الصادق المهدي حدد جملة محاور في حديثه بمناسبة ذكري ميلاده الرابع والسبعين، حيث ركز في المحور الاول الى جانب قضايا حزبه الداخلية مشيرا الى تداعيات احداث مؤتمر الحزب السابع، على ملتقى جوبا للحوار والاجماع الوطني، الذي بات يشكل بمقرراته مرجعية لحل كثير من اشكاليات الوضع السياسي الراهن، اذا استطاع ان يجد سبيلا في اقناع المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) للانضمام اليه او الاتفاق معه حول توافق او تراضٍ لمعالجة قضايا المشكل السوداني، واحسب ان السيد الصادق المهدي ضمن هذه المراجعة التي يجريها بمناسبة ذكرى ميلاده، من الضروري مراجعة اسباب افشال صقور المؤتمر الوطني كما اسماهم، لاتفاق التراضي الذي وقعه مع المؤتمر الوطني، ومن ثم العمل لعقد اتفاق تراضٍ جديد مع القوى السياسية كافة، بما فيها المؤتمر الوطني، لان السودان اصبح في حاجة ماسة الى تضافر الجهود، حكومة ومعارضة لايجاد مخرج حقيقي من ازمته الراهنة. وكان جميل ان تقدم الدكتورة طاهرة الصادق المهدي كلمة الاسرة اذ تضمنت هذه الكلمة بعض المعاني العميقة في العلاقة بين الابوة والبنوة ، كما تنسمنا من خلالها تلكم العلاقة الحميمية بين الابنة والاب مصداقا للمقولة الشهيرة ( كل فتاة بأبيها معجبة) . ولما كنت حريص على معرفة الاسباب التي جعلت طاهرة تتقدم عن بقية اخوتها واخواتها علمت من مصادر العائلة ان السيد الصادق المهدي رسم هيكلية تنظيمية في علاقة ابنائه وبناته بالعمل العام وشأن العائلة الخاص. فلما كانت طاهرة تتولى امر المسؤولية الاجتماعية، فلم يكن غريباً ان تتصدر اخوتها واخواتها في القاء هذه الكلمة التي ختمتها بنداء حميمي لوالدها يتعلق بتخفيف الاعباء السياسية ورعاية الصحة الشخصية ، ولكن وجهت هذا النداء بأسلوب فيه كثير من الرقة والعاطفة الجياشة مما ترك أثراً طيبا لم يقتصر على الاسرة واصدقائها بل امتد الى الحضور كافة. وادعو بهذه المناسبة ومعي الكثير من الذين يعرفون امكانات الصادق المهدي الفكرية والتنظيمية ان يعطي الجانب الفكري وقتاً اطول واهتماماً اكثر في مقتبل الايام لا سيما ان في جعبته الكثير من الافكار النيرة التي تحتاج الى قدر من التفرغ ، هذا لا يعني عدم الانشغال بالهم العام. وختاما لايسعني الا ان اهنئ السيد الصادق المهدي بهذه المناسبة الطيبة، على امل ان يكون في هذا العمر المديد خير للسودان وبنيه، فكرا واجتهادا ورأيا صائبا لحل قضايا الوطن الشائكة. Imam Imam [[email protected]]