كنت أقلب أوراقي القديمة بينما مطلب بعض القراء المتربصين: ألآمر" بالكتابة عن مسألة طه الحسن زاناً من حولي. وأنا عادة أعتبر مثل هذه الدعوات سوء أدب. اكتب على كيفي. ومن لم يجد عندي ما تاقت نفسه لرؤيته يُكتب غادرني إلى "حيث لا شمس النهار مطلة ولا الليل نظّار بأعينه النجل." ولكن ما وجدته في الورقة القديمة حبب لي الكتابة عن طه بطريقتي. وجدت في الورقة أنني لخصت محكمة جرت قبل سنوات لفرقة دجاجلة. فكان زعيمهم، الذي علمهم الدجل، يدس بعيواً في صندوق يعرضه للناس، يتنبأ البعيو للناس من موضعه الصعب عن ما سيكون لهم. وانكشف أمرهم وداهمت الشرطة مكان العرض والدجل وألقت القبض على الدجال وبعيو الصندوق. ولما عرضا أمام القاضي نظر إلى البعيو وسأله: القاضي: هسع أحاكمك كمتهم واللا اعتبرك معروضات. البعيو: متهم يا مولانا. يا مولانا متهم من فضلك. -ليه؟ -عشان المعروضات بيبيدوها. قاضي عسولة. المهم هل نحاكم طه كمتهم أو معروضات؟ لو حكمناه كمتهم ظلمناه فكلكم، إلا من رحم الله، طه حين يجي الأمر للوظيفة العامة من لدن السودنة عند بشاير الحكم الذاتي. بعبارة أخرى: الأقرب للتقوى ان نتناول أمره كمعروضات في باب ابتذال الوظيفة العامة. ومن تأدب أدبها وزهد في مغانمها منا؟ وبلغ الشره لها أن ضيقوا التعريف للداخل عليها فجعلوها قاصرة على خريجي الجامعة. وهو شره مصداق لقول منصور خالد عن غالي شكري إن الشهادات التي بطرف الصفوة (البرجوازية الصغيرة، وهذه لغتي بالطبع) هي شهادات ميلاد طبقية. وهكذا سدت هذه الفئة أبواب الوظيفة السياسية على عداها. وناس البروليتاريا والكادحون يمتنعون. مدد يا الخطيب! وجاء أخوكم وزير العدل مع إيقاف التنفيذ بشهاداته الكذوب طابقاً فوق طابق فوق شهادته الصحيحة المبرئة للذمة. المعروضات كثيرة في طلب الوظيفة العامة بغض النظر. حسن إسماعيل، تراجي، أبو القاسم إبراهيم (الطابق العودة من الجبل). و"الجرسة" الكباها كمال عند بابها وقبل فيها إهانة الرئيس. وما نراه من فشل الوظيفة العامة في الحركة الشعبية ليس مؤسفاً فحسب بل مضرجاً. طالب كثير منكم بمحاكمة طه كمتهم. والأقوم عندي أن نحاكمه كمعروضات ليرى كلنا صورته في مرآته. فهو أيقونة ابتذال الخدمة العامة وسائرنا يتقاصر عن درجته: ومنا من قضى نحبه في ابتذالها ومنا من ينتظر. كان البعيو حكيماً. فقد عرف مصير المعروضات ونجا بجلده متهماً مستحقاً للاتهام بالدجل من داخل صندوق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.