** قاعات المحاكم رغم هيبتها لا تخلو من اللطائف.. قبل أعوام، داهمت الشرطة بشرق النيل دجالاً يستخدم قزماً في أعمال الدجل والشعوذة ويخدع به الضحايا.. كانت مهمة القزم - وهو من تلقبه عاميتنا بالبعيو - أن يبقى قابعاً في حقيبة الدجال، ثم يصدر أصواتاً توحي للضحية بأنه (جن مسلم).. داهمتهما الشرطة وتحرت معهما، ثم قدمتهما إلى المحكمة التي كان قاضيها مولانا محمد سر الختم.. وبعد أن قرأ المتحري وقائع القضية وأقوال شهودها واعترافات أطرافها (الدجال والبعيو)، سأله مولانا سر الختم مداعباً : (هسة البعيو ده متهم ولا معروضات؟)، فصاح البعيو من خلف سياج قفص الاتهام متوسلاً: (أنا متهم يا مولانا، والله العظيم متهم، كيفن أكون معروضات؟، إنت بي صحك؟)، فضجت القاعة بالضحك.. فالبعيو، بالاطلاع أو بالسوابق، يعلم أن المحكمة دائماً ما تحكم على معروضات الدجل والشعوذة بالإبادة ..!! ** والشيء بالشيء يُذكر.. منذ إطلاق سراحهم بالعفو الرئاسي، وحتى مساء الخميس الفائت، نتابع نشاطاً سياسياً واجتماعياً واسعاً لقادة المجموعة الانقلابية الأخيرة، أو كما أسمتها السلطات الحكومية.. يشكلون حضوراً زاهياً في السراء والضراء، وكذلك عند كل حدث يخاطبون الناس بالبيانات والتصريحات الصحفية، وبين الحين والآخر تستقبلهم بعض القرى وتنصب لهم الصيوانات في الهواء الطلق وتحشد لهم الجماهير ليخطبوا فيها بحماس.. نشاطهم مدهش للغاية، وكذلك صبر الحكومة على نشاطهم هذا يكاد تجاوز صبر جمال درب الأربعين، وهذا ما يحير العقول .. فالذين سبقوهم - بمحاولات انقلابية سابقة - لم يجدوا هذا الصبر الحكومي، بل حتى قوى المعارضة لا تستطيع أن تخاطب قواعدها خارج مقارها إلا بإذن السلطات الحكومية وتصاديقهم.. ولهذا نسأل بكل براءة: لماذا حلال عليهم هذا النشاط الواسع وحرام على الآخرين، وخاصة أن أجندتهم وأجندة الآخرين سواسية في (إسقاط النظام)؟؟.. ** فالمساواة - ولو في الظلم - نوع من العدل، ولهذا سألت.. المهم، الخطاب السياسي لأفراد هذه المجموعة (مرتبك جداً)، أما مواقفهم من النظام فهي (الارتباك ذاته).. فالموقف الذي أظهرهم على سطح الحياة العامة هو رغبتهم في الإطاحة بالحكومة، وهي رغبة تجاوزت مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ وتحديد (ساعة الصفر).. حسناً، ليس في موقفهم هذا عجباً، إذ هم ليسوا بالأولين في عوالم الإطاحة بالحكومات.. ولكن العجب وكمان هيثم مصطفى هو مواقف ما بعد فشل المحاولة والعفو الرئاسي، تتناقض مع ذاك الموقف الذي أظهرهم على سطح الحياة العامة.. وعلى سبيل المثال الراهن بعد أحداث شمال كردفان خاطب أحدهم باسم المجموعة حشداً جماهيرياً بنهر النيل ثم أصدر بياناً يوضح محتوى خطابه الجماهيري ذاك، يقول فيه (سحبت بيعتي من الرئيس البشير، وبايعت ود إبراهيم على تغيير النظام)، الرقيب سراج.. شيء طبيعي.. ولكن ما ليس طبيعياً، وبحاجة إلى تدخل علماء النفس للتحليل، هو النص الذي ختم به اللقاء والبيان (نقف مع قواتنا المسلحة ضد هذا العدوان، ولن ندع العدو يسقط الحكومة، أخير نسقطها نحن يا جماعة).. من أنتم؟، ومن هو العدو؟، ثم أليس المشير البشير - السحبت منو بيعتك وأديتها لود إبراهيم - هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تقف معها في الملمات؟.. هكذا يتجلى التناقض في مواقفهم.. هم ضد الرئيس البشير لحد الإطاحة، ولكن أيضاً مع الرئيس البشير ضد أي إطاحة، وتقريباً هذا الحال هو الموصوف شعبيا (راح ليهم الدرب) ..!! ** المهم، أي ما سبق ليس مهماً، إذ هم أحرار في تناقضهم هذا، فالتناقض أيضاً من حقوق الإنسان ما لم ينتهك حقوق الآخرين.. على كل، لقد تحرروا بالاسترحام، ولكن أين الفكي؟.. نعم، فالمعلومة المؤكدة أن أحدهم لجأ إلى فكي ليساهم في نجاح انقلابهم، فطالبهم بإحضار (دجاجة سوداء)، فماتت في الطريق، فاستبدلوها ب (دجاجة حمراء)، ولهذا فشلت المحاولة، أو كما قال الفكي في التحري و التحقيق وأضاف - كما نشرتها الصحف - بالنص : (ما بلغت عنهم، عشان اتأكدت - في المنام - انقلابهم ما ح ينجح).. أين هذا الفكي؟.. هو بالتأكيد شريك إستراتيجي في المحاولة الفاشلة، وما لم يكن قد تم تصنيفه من قبل السلطات ك(معروضات)، يجب أن يظهر ويتكلم في ندوات أفراد المجموعة ولقاءاتها وبياناتها، عسى ولعل يرشدهم إلى (درب واضح) ..!!