وقعت عيناي بالصدفة على (كلمة التغيير اليوم) يوم «18/يناير/2014م» وهي تدور حول ما أسمته (الذكرى التاسعة والعشرين لاستشهاد محمود محمد طه) ويبدو أن مفردة« شهيد» قد ابتذلت وقد لحقت بأُختها مفردة «دكتور» فقد ظللنا نطلق كلمة دكتور بلا تحفظ ولا تروّي بالظن والشبهة، حتى أن الكثيرين استمرأوا هذه الأمر ولم يتورعوا من انتحال الوظيفة العلمية الرفيعة، حتى أوشكت أن تبتذل. أما مفردة شهيد فقد تم ابتذالها تماماً وأُفرغت من معانيها ومضامينها، وللأسف فإن من ساهموا في إفراغها من هذه المضامين مجموعة من الإسلاميين أنفسهم، وهذا غاية ما يصبو إليه خصوم الفكرة الإسلامية، فهم يتسللون رويدًا رويدًا إلى ما وراء حدودنا وتحصيناتنا وغاية ما يصبون إليه هو إفراغ الإسلام ذاته من مضامينه وليس أدلَّ على ذلك من تحريفهم مصطلح «الإسلاميين» إلى «الإسلامويين» أي الإسلاميين المزيفين. ومن كمال ابتذال مفردة شهيد أن تطلق على شخص أقل ما يقال فيه إنه متهم بالردة، ومفردة شهيد كلمة ذات مضمون تعبدي محكوم بالنصوص. وتدلنا النصوص على أن الشهادة نوعان: شهادة حقيقية وشهادة حكمية، أما الحقيقية فتشمل قتيل المعترك الذي يموت في المعركة، وهو غير من ارتثَّ أي حمل من المعركة جريحاً وبه رمق فمات بعد انتهاء المعركة فأحكامه دون أحكام الشهيد الحقيقي. فأعلى مراتب الشهادة إذًا هي مرتبة الذي يقتل في المعترك مجاهداً في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وعلى هذا الفهم يقول صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة) لأنه قتل في المعترك في غزوة أُحد بعد أن أبلى ذلك الذي يعرفه الجميع. ولهذا الحديث بقية سنوردها عند الحاجة إليها. أما الشهادة الحكمية فهي التي يفصلها قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون دمه فهو شهيد، ومن مات دون أرضه فهو شهيد.» وفي رواية أخرى من (مات دون عرضه فهو شهيد). وأيضا يضاف إلى الشهادة الحكمية ذو البطن، وصاحب الهدم، والغريق. وهؤلاء لهم من الثواب والأجر عند الله أجزله، إلا أنهم دون منزلة شهيد المعترك الذي يغفر له عند أول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويزوج اثنين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهل بيته ويؤمَّن من عذاب القبر. ينبغي علينا أن نتخذ أقصى درجات الورع عند إطلاق صفة الشهيد، فلا نطلقها إلا على أهل الإسلام المشهود لهم بالاستقامة والصلاح. فلا تطلق بأي حال من الأحوال على أحد من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى، ولا أهل الشرك ولا الملاحدة وأهل الشقاق والنفاق. فمن باب أولى ألا تطلق على متهم بالردة ومشهود له بالأقوال الكفرية التي لا تعتمد على نص ولا شاهد ولا دليل من الكتاب ولا السنة، إنما تعتمد على التأويلات الشخصية والتوليد الفلسفي للأفكار. ثم نأتي إلى حديث سيد الشهداء حمزة وتمامه «ورجل قام إلى إمام فأمره ونهاه فقتله» وهذا الحديث يرفع شهيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام الحكام الظلمة إلى الشهادة الحقيقية، بل إلى أعلى مراتبها. ولعل هذا يعتمده الذين يبتذلون مفردة الشهادة حتى يطلقوها على المرتد محمود محمد طه الذي صدر في حقه عدد من أحكام الردة من جهات مختلفة داخل السودان وخارجه. فهل هنالك وجه من الجواز بأية صورة من الصور يبيح لنا إطلاق مفردة أو صفة الشهيد على محمود محمد طه؟! وعلينا الإجابة عن هذا السؤال هل كان محمود محمد طه في معارضته لنظام نميري آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وساعياً لتكون كلمة الله هي العليا؟للإجابة عن هذا السؤال نشير إلى الآتي: 1/ ظل محمود محمد طه طيلة نظام مايو مؤيدًا له ومناصرًا ومنافحاً، ولم تُعرف عنه معارضة للنظام إلا بعد إقرار قوانين الشريعة، وذلك في بيانه المشهور (هذا أو الطوفان) 2/ إن محمود محمد طه هو الذي أطلق الاسم «الفسوق» على قوانين الشريعة وسماها قوانين سبتمبر سخرية منها واستهانة بشأنها، وهو الاسم الذي ظل يلوكه الملاحدة والعلمانيون وأهل الشقاق والنفاق إلى يومنا هذا فعليه وزره، ووزر من نطق به إلى يوم القيامة. 3/ ليس في كتابات محمود محمد طه ما يمكن أن يعد دعوة أو قياماً صادقاً مخلصاً في توجيه العامة إلى أمور دينهم إتباعاً لنصوص الكتاب والسنة، بل كل ما ورد في كتاباته لا يزيد على كونه توليداً فلسفياً للأفكار، ولو تتبعت ما ورد في جميع مؤلفاته من النصوص المستقاة من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله لا تجدها تزيد على ثلاثين أو أربعين آية، وجُلها في الاستفتاحيات من أجل التبرك وتجنب ذكر النبي صلي الله عليه وسلم، لما يراه محمود محمد طه في نفسه من النديَّة للنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم. 4/ أما الأحاديث الواردة في جميع مؤلفات محمود محمد طه ربما لا تزيد على أصابع اليد الواحدة فكيف يكون محمود محمد طه داعياً إلى الأسلام وإلى الإصلاح وهو لا يتبع ولا يتأسى بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5/ وهذا يتفق تماماً مع مجمل ما يدعو إليه محمود محمد طه إذ أنه يدعو إلى رسالة ثانية، ويدعي أن لها رسولاً آخر غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل ويحييه (الرسول القادم) مع أنه يبهمه ولا يصرح باسمه ويقول: «تحية للرجل يتمخض في أحشائها وقد دنت ساعة الطلق وتنفس صبح الميلاد». أي أنه رجل من لحم ودم. 6/ بل أن محمود محمد طه يدهن منذ الرسالة الأولى التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ويسميها رسالة الفروع، ورسوله الجديد آت برسالة الأصول، والرسالة الأولى في فكر محمود محمد طه لا تصلح لإنسانية القرن العشرين، وهذا حال الزنادقة الذين يتطاولون على الأولياء والصالحين، بل والأنبياء. 7/ ولا ينتهي كفر محمود محمد طه عند هذا الحد، بل يتطاول حتى على الذات الإلهية فيقول ما معناه « إن العبد يطيع الله حتى يطيعه الله معارضة له على فعله، فيكون عالماً علم الله، قادرًا قدرة الله، مريدًا إرادة الله ويكون الله». فهل هنالك كفراً أعظم من هذا وهل يحوَّل الخطأ الإجرائي في المحاكمة إن ثبت وهو لم يثبت أبدًا المجرم المرتد الى شهيد. 8/ ومن كفرياته أنه ادعى أن الإنسان الكامل هو الله، وهو بهذاالإدعاء يفتح الباب أمام نفسه وأمام كل زنديق ليدعي أنه الإنسان الكامل وأنه هو الله. وكفريات محمود محمد طه ليس لها حد تنتهي عنده. وكلمة التغيير نفسها تدل على عظم الجرم وثبوت الإلحاد في حق محمود محمد طه فالكلمة تطالب بمشروعات ثقافية وفكرية تساعد على «بناء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان». فالكلمة لا تطالب بمجتمع إسلامي، فإسلامي وحدها لا تكفي أهل التغيير لا بد من تحسينها وتزيينها وزخرفتها بديمقراطية وحقوق إنسان وهلم جرا إلى آخر المنظومة والأسطوانة المشروخة. لقد هان الإسلام على أهله حتى عاث الثعالب والأباعر والضباع والذئاب وأبناء آوى فسادًا فيه وأصبحوا سادة المجتمع وقادة الفكر، فأين أنتم يا ليوث الإسلام ويا حماة عرينه متى تغضبون ومتى ترتجف أنوفكم غضباً لله، وحتى متى تَدَعون الحِمى والعرين للزعانف والأباعر، قال الشاعر: لولا قيام الليث فوق عرينه