بعد أيام من ظهور نتيجة الإنتخابات السابقة لنقابة المحامين (أبريل 2014) والتي كان المحامون من أنصار النظام قد حصدوا كل مقاعدها بالكامل، في تلك الفترة كتبت مقالاً جاء فيه أن كلا الفريقين المتصارعين (المؤتمر الوطني وتحالف المعارضة) قد سقطا في تلك الإنتخابات، فالمحامون الإنقاذيون لا يستطيعون الزعم بأن الذين صوتوا لصالح مرشحيهم قد فعلوا ذلك لأنهم توسّموا فيهم الخير أو لأنهم رأوا فيهم حَمَلَة لواء الحق للقيام بما يقتضيه عمل النقابة في الدفاع عن سيادة حكم القانون وحماية الحريات والحقوق الدستورية، فالصحيح أن المحامين الإنقاذيين ما حرصوا على الفوز بمقاعد النقابة الاّ لمنع تحقيق مثل تلك الأهداف. الذي يجعل إنتخابات نقابة المحامين ذات أهمية خاصة في نظر كل الشعوب من أمثالنا، أن نقابة المحامين وبحكم الإرث وطبيعة المهنة تتصدّى من نفسها للقضايا العامة وعلى الأخص التي تتصل بحماية وكفالة الحريات وصيانة الدستور وحراسة القانون، وفي السودان، إرتبطت مهنة المحاماة منذ نشأتها بالحركة الوطنية خلال فترة الإستعمار البريطاني، ثم بتصدي النقابة لقضايا الحقوق العامة والحريات فيما بعد في ظل الحكومات المُتعاقِبة (دور نقابة المحامين في إضراب القضاة 1983)، وقد تبارى في ذلك فرسان من النقباء الذين تعاقبوا على المنصب في تقديم أقصى التضحيات في ظل ظروف سياسية مُعقّدة، من بينهم عابدين إسماعيل (1954-1955) وأعقبه محمد أحمد محجوب (1955- 1957) ثم توالى على المنصب علماء أفذاذ وشجعان مثل أمين الشبلي، د. عقيل أحمد عقيل، ميرغني النصري وعبدالله الحسن. حتى جاء وقت أصبح فيه نقيب المحامين عنصراً فاعلاً من عناصر النظام، وأصبح ممكناً أن يُكافأ نقيب المحامين على إستبساله في نصرة نظام عسكري بنقله من منصب النقيب إلى أعلى منصب تنفيذي (النقيب فتحي خليل الذي عُيّن والياً للشمالية قبل أن يتوفى في حادثة مرور)، وجاء الوقت الذي أصبحت فيه النقابة ذراعاً للنظام، ترعى مصالحه وتُغمض عينيها عن تجاوزاته في شأن الحريات والحقوق الدستورية الأخرى، فأصبحت النقابة لا يُسمع لها صوت يُطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بالمخالفة للقانون، ولا تُنظّم ندوة أو مسيرة إلاّ إذا كانت في شأن ضحايا من خارج أسوار الوطن، في فلسطين أو بورما ..إلخ أو إلاّ إذا كانوا إخوة لهم في المعتقد السياسي والتنظيمي. بطبيعة التكوين والأهداف، ليس من الطبيعي أن تكون لنقابة المحامين علاقة تنظيمية بنظام يتولى الحكم، ولا يعني ذلك أن يكون هدف النقابة هو مناكفة الحكومة ومنازلتها كقوة معارضة سياسية، وأفضل تشبيه لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الطرفين (الأنظمة الحاكمة ونقابة المحامين) هو أن تكون مثل العلاقة التي تربط بين وكيل النيابة وضابط الشرطة، إحترام لا يصل حد (رفع الكلفة) بينهما. بحسب إحصائية أرقام الإنتخابات السابقة، فقد كان العدد الكلّي للمحامين الذين يحق لهم التصويت (14500) ناخب، وأقصى عدد حصل عليه مرشح من قائمة المؤتمر الوطني كان (3,174) صوت وهو العدد الذي حصل عليه الأستاذ الطيب هرون الذي فاز بمقعد النقيب، وفي المقابل كان أقصى عدد حصل عليه مرشح من قائمة تحالف المحامين المناوئة حوالي (1,000) صوت حصل عليها الأستاذ جلال الدين السيد مرشح القائمة لمقعد النقيب، فأين ذهبت ال (12,000) صوت وماذا كان يفعل أصحابها في تلك الليلة؟ في الإجابة على هذا السؤال تكمن كارثة الوطن ومحنته التي نتمنى الاّ تتكرر هذه المرة، والتي يمكن تلخيصها في الأسباب التالية: أُهدرت كثير من الأصوات لأن أصحابها رأوا - وفق تقديرهم الشخصي - أنه لا طائل من وراء الإنتخابات لأن النتيجة محسومة سلفاً لصالح المؤتمر الوطني، وبما يعني أنه في تلك الليلة كان هناك حوالي (10) ألف محام يجلسون في بيوتهم ويتضرعون لله أن تفوز قائمة التحالف. إرتباك الموقف بين المشاركة في الإنتخابات ومقاطعتها بسبب الإعلانات التي صدرت من محامي الأقاليم بالدعوة لمقاطعة الإنتخابات (نُشر بالواقع الإسفيرية إعلان بهذا المعنى بإسم محامي دارفور)، مما جعل خيار المشاركة من عدمه رهن التقدير الشخصي. عدم تنظيم ندوات كان يمكنها أن تساهم في تعريف المحامين بالبرنامج الإنتخابي ومناقشته وبما يتيح الفرصة لسماع أصوات قاعدة المحامين وتعريفهم بالمرشحين (فهمت أن أكثرية المحامين الشباب ليست لديهم معرفة بالمرشحين بما في ذلك مرشح التحالف لمقعد النقيب). الخلافات والمكايدات السياسية بين منسوبي الأحزاب المشاركة. لا تبعدنا عن إنتخابات نقابة المحامين سوى أسابيع قليلة، وينبغي على زملاء المهنة الإستعداد وإحكام إغلاق منافذ الفشل والهزيمة هذه المرة، ومن ذلك تدقيق قوائم المحامين المسجلين وإقامة الندوات لتبصير المحامين الشباب بواجبات النقابة وما كانت تقوم به في السابق وما إنتهت إليه في عهود الظلام، والعمل وسط القواعد لضمان المشاركة الإيجابية، وتوفير وسائل الإنتقال الجماعية لأعضاء النقابة للحضور من الأقاليم والأرياف لمراكز الإقتراع. يداً بيد لنسترد نقابة المحامين من أيدي المُختطفين لتعود النقابة للقيام بدورها كما كانت تفعل في السابق، يوم كان نقيبها ميرغني النصري وبعد أن أصبح شاغل المنصب الطيب هارون. سيف الدولة حمدناالله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.