1 - مصر والسودان كقرني الثور ؟ يوصينا البعض بالتركيز على أوجاع السودان ومحنه التي أدخله فيها نظام الأنقاذ طيلة 24 عاماً حسوماً ، وإستنباط الآليات والوسائل القمينة بإنقاذ السودان وأهله الطيبين من الإنقاذ . بدلاً من المتابعة المرضية لما يحدث في مصر ، مما قد يشكل إستعماراً ثقافياً مصرياً للنخب في السودان ، بعد أن خلصنا الأمام الأكبر عليه السلام من باشبوزوق الإستعمار الخديوي الغاشم ، وتخلصنا في ديسمبر 1955 من الأستعمار الأنجلو- مصري . في هذا السياق يذكرنا البعض بقصة عبدالمطلب مع ملك الأحباش أبرهة الذي أجتاح بجيوشه مكةالمكرمة ، فإنزوي عبدالمطلب حارس الكعبة وخادمها بعيداً عن الكعبة ، وركز على حماية إبله وغنمه متعللاًً بأن للكعبة رب يحميها ، وما لأبله وغنمه غير عبدالمطلب يحميها من بطش أبرهة ؟ لمصر رب يحميها ، وما للسودان وأهله غيرنا يحميه ويخلص أهله من بطش الإنقاذ . وهذا قول ينضح بالحكمة من نخبة حكيمة عجمها الزمن وصقلتها التجارب ونورتها قراءاتها الموسوعية في شتى ضروب الفكر والمعرفة ؛ ومن اُوتي الحكمة ، كما هذه النخبة ، فقد اُوتي خيراً كثيراًُ . فقط أن هذه السطور تزعم أن الشأن الداخلي المصري ربما كان شاناً سودانياً خاصاً لعدة إعتبارات متشابكة لا تخفى على لبيب ؛ فالعلاقة الأزلية بين البلدين تحاكي متلازمة قرني الثور منذ أن غزا تحتمس الثالث أعظم حكام مصر وأحد أقوى الاباطرة في التاريخ ( 1425 قبل ميلاد السيد المسيح ) بلاد النوبة حتي جبل البركل المقدس . هاك بعض الأمثلة : اولاً : + لولا قرار الباشا محمد علي الكبير غزو بلاد السودان في عام 1821 ، لأسباب بعضها داخلية مصرية بحتة لا دخل لها بالسودان ، لما عرفنا السودان بجغرافيته الحالية ، ولربما أستمرت الممالك السودانية المتشاكسة إلى يوم الدين هذا . ثانياً : + لولا إغتيال السردار ليي إستاك ، حاكم عام السودان الأنجليزي في شوارع القاهرة ( يوم الأربعاء 19 نوفمبر 1924 ) لأسباب داخلية مصرية بحتة لا دخل لها بالسودان ، لما تم طرد الجيش المصري من السودان ( يوم الأثنين 24 نوفمبر 1924 ) ، ولما تم تفجير ثورة 1924 في يوم الخميس 27 نوفمبر 1924 ، ولما أقام الأنجليز مشروع الجزيرة ، الذي بناه الأنجليز للإنتقام من مصر لإغتيال السردار ليي إستاك . ثالثاً : + لولا أن عزل عبدالناصر الرئيس محمد نجيب ( الاحد 14 نوفمبر 1954 ) ، لأسباب داخلية مصرية بحتة لا دخل لها بالسودان ، لربما أصرت الأحزاب السودانية الإتحادية الغالبة وقتها على الإتحاد مع مصر ( النجيبية ) بدلاً من مسايرة حزب الأمة والموافقة على إعلان الإستقلال من داخل البرلمان في يوم الأربعاء 19 ديسمبر 1955 . في هذا السياق ، قال الرئيس محمد نجيب لعبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة عندما جاء يخبره بإعفائه من رئاسة الجمهورية : «أنا لا أستقيل الآن ، لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع السودان! أما أذا كان الأمر إقالة ، فمرحبا . رابعاً : + لولا محاولة بعض الجهاديين الإسلامويين إغتيال الرئيس مبارك ( أديس أبابا – 1995 ) ، لأسباب داخلية مصرية بحتة لا دخل لها بالسودان ، لإستمر مثلث حلايب مثلثاً سودانياً إلى يومنا هذا . خامساً : لولا دعم عبدالناصر المغتغت لما نجح إنقلاب عبود ( 1958 ) ، ولما نجح إنقلاب نميري ( 1969 ) . ولولا دعم مبارك في بدايات أنقلاب البشير ( 1989 ) ، ربما لم ينجح الإنقلاب . أفترض عبدالناصر ومبارك إن حكومات السودان الديمقراطية التي قامت هذه الأنقلابات الثلاثة ضدها ، كانت تعمل في تدابر ضد الإستراتيجيات المصرية ؟ سادسا ً : قال وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى ( الخرطوم - يوم الاحد 18 أغسطس 2013 ) ، بأنهم سوف يتعاملون مع حكومة الخرطوم حسب تعاملها معهم . فاذا دعمت حكومة الخرطوم الأرهاب مجسداً في ( جماعة الأخوان ) ، فسوف يكون تعاملهم معها بالمثل . الكرة في ملعب الخرطوم ؟ 2- صدق أو لا تصدق ؟ تحدث في مصر هذه الأيام أمور يصعب على المرء تصديقها لمجافاتها للمنطق العقلاني وتدابرها مع تاريخ مصر وحضارتها التليدة ، ولأضرارها الجسيمة بمصالح مصر الحيوية في المدى البعيد . نختزل بعضاً من هذه الأمور اللا عقلانية في النقاط أدناه : اولاً : ذكرت صحيفة النيويورك تايمز ( عدد الخميس 22 أغسطس 2013 ) أن محكمة الإستئناف الجنائية لشمال القاهرة عقدت جلستها في سجن طرة المحبوس فيه الرئيس السابق مبارك ، وأمرت بإطلاق سراحه من أخر تهمة ضده ( هدايا الأهرام ) . جاءت المحكمة للمتهم في مكان إقامته ( المُؤمن ضد وسائط الإعلام ) في أول سابقة في تاريخ القضاء منذ أن حمل موسي الواحه ونزل بها من جبال سيناء ، ومنذ أن سن حمورابي قوانينه ( أول قوانين في التاريخ ) في عام 1790 قبل ميلاد السيد المسيح . نعم ... جاءت المحكمة إلى المتهم بدلاً من مثول المتهم أمام المحكمة في مبني المحكمة . والسبب تجنب تعرض المتهم لكاميرات التلفزيون ووسائط الإعلام الأخرى في مبني المحكمة ، وتجنب إذلاله أمام الشامتين والمتظاهرين خارج مبنى المحكمة . صارت السلطة القضائية جزءاً أصيلاً من السلطة التنفيذية ( الحكومة ) تأتمر بأوامرها ، وضاع مبدأ فصل السلطات في نظام السيسي الجديد . ثانية الأثافي ... رئيس منتخب من الشعب ( مرسي ) يتم سجنه في ظروف مأساوية ، ورئيس طاغية ( مبارك ) ثار الشعب عليه وعزله يتم إطلاق سراحه ؟ معادلة كافكاوية ؟ هل تحتاج لدليل أخر أن نظام السيسي هو في الحقيقة نظام مبارك 2 ؟ وإن الفترة الممتدة من 25 يناير 2011 ( الموجة الأولي من الثورة ) وحتي 3 يوليو 2013 ( الموجة الثانية من الثورة أو الإنقلاب العسكري ) ... فترة 19 شهر و9 أيام ... كانت فترة ضائعة في التاريخ المصري ، ثقب أسود ، أو فترة فوضى غير خلاقة كما تصفها الدول الخليجية ! تقول صحيفة النيويورك تايمز إن قرار إنتقال المحكمة لسجن طرة جاء بطلب خاص من خادم الحرمين الشريفين ، فإمتثل السيسي ، وبالتالي إمتثلت المحكمة ؛ وأطلقت سراح المتهم ؟ ولا ينبئك مثل خبير ؟ ثانياً : قرار مجلس الشيوخ الأمريكي التاريخي في يوم الأربعاء 31 يوليو 2013 ، بأستمرار المعونة الأمريكية للجيش المصري ، حسب طلب ايباك ( اللوبي الصهيوني في واشنطون ) وطلب إسرائيل ، يؤكد إن إسرائيل تعتبر نظام السيسي نظاماً حليفاً لها ؛ وإن تقوية الجيش المصري في مصلحتها . كما طلبت إسرائيل ، بحسب صحيفة النيويورك تايمز ، من الإتحاد الأروبي ودوله دعم نظام السيسي ضد إرهاب جماعة الأخوان ؟ ندد الاتحاد الأوروبي ( 28 دولة ) بالإطاحة بالرئيس المنتخب مرسي ، وحاول وفشل في التوسط بين السيسي وجماعة الأخوان ، لموقف السيسي المتعنت والمدعوم من بني إسرائيل . انتهى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ( بروكسل - الاربعاء 21 أغسطس 2013 ) لبحث الأوضاع في مصر، بقرار ً مفاده انتقاد الإجراءات ( غير المناسبة ؟؟؟ ) التي استخدمتها قوات الأمن المصرية ! مجرد تنديد وإنتقاد ... لأن إسرائيل نجحت في إقناع الاتحاد عدم تجميد أياً من المساعدات التي تحصل عليها مصر منه ، وخصوصاً الجيش المصري ؟ كما كشفت جميع صحف إسرائيل عن تعليمات نتنياهو ( المكشوفة من غير ويكيليكس ) لسفرائه في الدول الغربية وأمريكا بالقيام بحملة واسعة لشرح فوائد انقلاب السيسي ( الأربعاء 3 يوليو 2013 ) وآثاره الإيجابية على إسرائيل ، وبالتالي حث الدول الغربية وأمريكا الإستمرار في دعم نظام السيسي وبالأخص دعم الجيش المصري . في هذا السياق ، نُذكر بأن بن غوريون قال في عام 1956 إن أمن وسلامة إسرائيل لا تضمنها القنابل الذرية التي تكدسها إسرائيل ؛ فيمكن أن تزول الدول العربية القوية ومعها إسرائيل في هذا السيناريو المرعب ؟ ويجب أن لا تعمل إسرائيل على تدمير إسرائيل ، كما في متلازمة شمشون الجبار ( عليٌٍٍِ وعلى أعدائي ) . أكد بن غوريون إن أمن وسلامة إسرائيل يضمنهما ، وبشكل حصري ، تفتيت دول وجيوش المواجهة مع إسرائيل وبالأخص العراق وسوريا ومصر ؟ تم تفتيت العراق وسوريا وجيشهما حسب مبدأ بن غوريون ، وبقيت مصر . ولكن صار الجيش المصري في نظام السيسي الضامن لأمن وسلامة إسرائيل ، والقامع والباطش والقاتل للشعب المصري ؟ ومن ثم السعي الإسرائيلي الحثيث لتقويته ودعمه بدلاً من تفتيته كما حدث في العراق وسوريا . صارت مصالح إسرائيل تتكامل ولا تتقاطع مع مصالح نظام السيسي . ولكن هل بالضرورة تتكامل مصالح إسرائيل مع مصالح الشعب المصري ؟ هذا هو السؤال كما قال هاملت ؟ ثالثاً : يتشدق بعض الأدعياء بأن مصر لا تحتاج للمعونة الأمريكية . وترى في شوارع القاهرة وميادينها صور أوباما وعليه لحية إخوانية مدببة وعلامة الصليب ، وبجانبه صورة السيسي المشرقة تنظر إليه من عل وبإزدراء . يقول الأدعياء إن مصر لا تحتاج للمعونة الأمريكية للجيش المصري ، وإن الدول الخليجية دفعت 12 مليار دولار كاش ، وهذا المبلغ يعادل 8 أضعاف المعونة الأمريكية ( مليار و500 مليون دولار كل سنة ) . تناسي الأدعياء الأمور المختزلة أدناه ؛ ولكن السيسي وجنرالاته يعرفونها كما وجع بطونهم ، ومن ثم إنبراشهم المخزئ أمام بني إسرائيل . عد أن كنت من العادين : نواصل في حلقة قادمة ... ثروت قاسم Facebook.com/tharwat.gasim عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.