رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نور حسين .. أول امرأة سودانية تتحدى "الوصمة"
نشر في سودان موشن يوم 17 - 09 - 2013

طالعت عيناي في مقطع اليوتيوب شابةً سودانيةً، جميلة الشكل، أنيقة المظهر، تمتلك شخصية واثقة، وتتمتع بحضور غير عادي. كانت الفتاة تحكي في صوت قوي
النبرات، لا يشوبه خنوع ولا ضعف ولا استجداء – فهي تطالب بحق مشروع – عن تجربتها في "دار رعاية الطفل بالمايقوما" . لم تكن "نور حسين" تحمل ورقةً تستعين بها عند الحاجة كما يفعل غالبية المحاضرين، بل تركت نفسها على سجيتها، تعبّر عن دواخلها، وتلفت نظر المجتمع إلى ما تعانيه هذه الشريحة من الأطفال الأبرياء، وقد قاسمتهم في مرحلة من حياتها بعضاً من تلك المعاناة بكل ما تحفل به من مرارة وقسوة.
وأنا هنا أنقل للقارئ تلك التجربة، بكل تعاريجها ومنعطفاتها – وقد أحزنتني حتى البكاء – أنقلها بحذافيرها دون تعديل أو رتوش.
" لما كنت طفلة صغيرة عشت تجربة دار رعاية "المايقوما". تعرفوا "المايقوما" ؟ شفتوها؟ زرتوها ؟ ..أكيد ما عشتوها. "المايقوما" هي دار لإيواء الأطفال مجهولي الأبوين من عمر يوم لعمر أربع سنوات.. أربعة سنوات عدّيتهم داخل دار رعاية الطفل "المايقوما" تذوقت فيهم كل أشكال الألم والمعاناة والحرمان.. أربعة سنوات عديتهم داخل رعاية الطفل "المايقوما" بدون ما أعرف أنا عملت شنو ولا جريمتي شنو .. ولا ذنبي شنو.
أربعة سنوات قضيتهم في مكان أشبه بالسجن. لما كنا أطفال وواحد في أخوانا يبكي كنا بنبكي مع بعض بدون ما نعرف سبب بكا أخونا شنو. ولما كنا نسعد ونضحك كنا بنضحك مع بعض وحتى ما عارفين بنضحك ليه. ومرت الأيام حزينة كئيبة في بيئة فيها كل أشكال الحرمان والبؤس والشقاء.
في يوم من الأيام جانا ملاك رحمة زائر في الدار. ملاك الرحمة ده كانت "ماما فاطمة سعد الدين".. "ماما فاطمة سعد الدين" هي مديرة "روضة دار الحنان". "ماما فاطمة" قدمت عرض لمديرة الدار. قالت ليها: أنا عاوزة أكفل الأطفال ديل تعليمياً خليهم يجوا الروضة، وأنا مسؤولة منهم. كنا تلاتة أطفال.. بنتين وولد. في اليوم المحدد مشينا الروضة، بعد ما جهزونا بأجمل التياب.. وماشين الروضة.. ماشين الروضة .. الروضة هي شنو ما عارفينها. لكن فهمنا إنها حاجة سمحة.
وصلنا الروضة وكان يوم عجيب. لما دخلنا الروضة لقينا مراجيح .. نجايل .. و .. أطفال .. أطفال حتى أشكالهم ما زيّنا. خفنا .. بكينا .. بكينا بكا شديد. التصقنا في بعضنا إحنا التلاتة. البيئة دي نحن ما بنعرفها. "ماما حنان" كانت حريصة جداً جداً إنو تجتهد وتخلينا نتجانس مع البيئة دي ونخلق علاقات وصداقات مع أطفال الروضة الفي سننا. شوية شوية بدينا نتعامل ونفهم الحوالينا. لحدي ما الحمد لله تخطينا الحاجز النفسى وتعودنا على بيئة الروضة. الروضة بعد شوية بقت أجمل مكان نحن بنقصده و"ماما فاطمة" هي أجمل إنسانة نحن كنا بنحس معاها بكل الأحاسيس الجميلة.
مرّت الأيام بديت ألاحظ إنو في شخصين إتنين بيجو الروضة الصباح بيجيبوا واحد من زملاءنا وآخر اليوم بيجوا ياخدوه. بديت أركّز .. أشوف .. أحس. ركّزت في مكان معيّن. حددت لي شجرة. الشجرة موجودة في منتصف الروضة، ولا زالت لحدي الليلة موجودة. بقيت اقعد في الشجرة دي وأعاين للمشهد ده. في البداية كنت بعاين ليهو وأركز فيهو.. بعد شوية بقيت استمتع بيهو.. بعد شوية بقى يعجبني شديد.. بعد شوية بقيت مجتهدة جداً في نفس اللحظة، وفي نفس الوقت انا اجي كل يوم وأقعد نفس القعدة عشان أشاهد المنظر الجميل ده. أخواني بيجو يقعدوا ويلعبوا، ما كانوا فاهمين سر الشجرة. سر الشجرة حقي براي. نقعد ننتظر "بابا علي" عشان يجي يرجّعنا الدار.
في يوم فاجأت "ماما حنان" بسؤال :" ديل منو؟". "ماما حنان" قالت لي دي مامة فلان وده باباه. قلت ليها يعني شنو ماما وبابا. قالت لي يعني أمه الولدتو وأبوه الولدو، وبيجو يسوقوه ويودّوه البيت. فاجأتها بسؤال اكبر:"وأنا امي وأبوي وين؟". ماما حنان ارتبكت .. حزنت .. بكت.. ما كانت متخيلة إنو ينشأ لدي وعي مبكر للواقع ده. تماسكت وبإحساس المربية العارفة دورها تجاه أطفالها ..فكرت.. ده زول بيسأل وداير إجابات .. قالت لي يا نور: "بابا وماما في الجنة". قلت ليها : يعني شنو الجنة ؟. قالت لي الجنة مكان لذيذ وجميل وحلو، وفيهو اي حاجة حلوة.. فيهو شجر وفيهو زهور ، في الجنة بنلاقي كل الناس الراحو مننا.. كل الناس الما شفناهم بنلاقيهم في الجنة. ماما حنان بتعابيرها المحددة البسيطة – لأنها زولة مربية وفاهمة وعارفة هي بتعمل في شنو وصلتني للنهايات.. وصلتني لأن أعرف الحاجة الكانت رايحة مني. الحاجة البفتش عليها طول عمري وين حألقاها. ماما حنان في اللحظة دي ، وتحت الشجرة دي زرعت في جواي أمل إنو في يوم من الأيام حأشوف أبوي وأمي الفي الدنيا ما لاقيتهم.
يا جماعة دي قصة عشرات الأطفال ، ما قصة "نور" براها.. قصة عشرات الأطفال الموجودين في دار رعاية الطفل "المايقوما".وللأسف الشديد بيدفعوا في تمن اخطاء أسرهم. كل المجتمع يتوارى خجلاً وراء أولئك الأطفال المحرومين المعذبين. القصة دي قصة الآلاف من الأطفال بيدفعوا تمن أخطاء الكبار جهاراً نهاراً.
بعد أربعة سنوات مشينا دار تانية اسمها "دار حماية الطفولة". اجمل ما في "دار حماية الطفولة" إنو هناك لاقينا أخوانّا الأكبر سناً مننا، وأخوانا علمونا كل الحاجات، ورونا بوضوح نحن شنو. نحن أطفال أيتام .. ده وضعنا الاجتماعي ، وكل الموجودين حوالينّا ديل ، ناس بيقدموا لينا الرعاية والعناية .. هم ما آباءنا ولا أمهاتنا لكن ناس كريمين وطيبين، وبيسعدوا شديد وهم بيسعدونا. لقينا اخوانّا عايشين الواقع ده ومتجاوبين معاه ومرتاحين فيهو، وهكذا عشنا نفس الواقع لحدّي ما جات سن المدرسة، ودخلت المدرسة الابتدائية. في المرحلة دي بدت تظهر ملامح جديدة.. بدت تظهر ملامح لتفاصيل ومشادّات بينا وبين زميلاتنا في المدرسة بحكم تجمعاتنا الكبيرة داخل المدرسة. بديت ألاحظ في مصطلح سيئ بتقال لأخواتي وزميلاتي في الدار من قبل زميلاتنا في المدرسة. أخواتي كانوا إرجعوا الدار.. إكلموا "ماما ليلى" وهي مديرة الدار. يا "ماما ليلي" البنات قالوا لينا، وقالوا لينا، و قالوا لينا..
وكان أول درس علمونا ليهو أخواتنا الكبار إنِّك شنطتك ما تفرطي فيها ولا أدواتك، وتحرصي عليهم لحدّي ما تجي راجعة الدار. في يوم حصلت مشادة بيني و بين زميلتي في المدرسة. شالت قلمي. إجتهدت دخلت في معركة معاها وقلعت قلمي منها، وطلعت منتصرة ومنتشية إنو أول درس أنا نجحت فيهو. البنت مشت نادت أختها الكبيرة.اختها جات ضربتني وأساءتني وقالت لي "أمشي يا بت (...)" ما بقدر أقول المصطلح ده. بكيت بألم.. بكيت كما كل أطفال العالم بكوا في اللحظة دي معاي. يا داب حسيت بالكلمة دي. ويا داب حسيت بالتعبير ده. وحسيت قدُر شنو المجتمع ده قاسي. وانا منتشية، وأنا طفلة، وأنا سعيدة بإنو اول درس في المدرسة قدرت نجحت فيهو، زميلتي قامت أساءتني .. ببكي ، ببكي، ببكي .. أخواتي الكبار جو وعرفوا الحكاية. مسكوا البنت الكبيرة ودقّوها .. بعد داك كّونا مجموعة قويّة جداً جداً. وأي بنت تحاول تسيء لينا نحن ندقها. دي يا جماعة كانت متطلبات المرحلة دي. ما كانت عندنا طريقة غير الأسلوب ده فنحن بندافع عن وجودنا .. عن كرامتنا .. عن كبرياءنا, يعني ما كان في طريقة غير كده.
في يوم من الأيام، "ماما ليلى" عملت زيارة للمدرسة ودَعَت أستاذاتنا إنه إجوا إزورونا في الدار ومعاهم زميلاتنا. في اليوم داك ما مشينا المدرسة. قعدنا في الدار نرتب "بيتنا" عشان نستقبل فيهو مدرساتنا وزميلاتنا. اليوم داك كان نهاية للحرب ما بينّا وبين زميلاتنا.
زميلاتنا بقوا إحبونا شديد، ونحن كمان بقينا نحبهم شديد. بعد داك تم تحولنا لدار أخرى إسمها " قرية الأطفال السودانية". الدار دي بتقوم بدور الإيواء والكفالة للأطفال المحرومين من الرعاية الولادية.
جزء مِنّنا جابوه من "دار الحماية" والجزء التاني من "أطفال الدار" وفُتِحَت بينّا القرية البتقوم على نظام "الرعاية الأسرية البديلة". عندي أم محددة..عندي أخوان محددين..عندى غرفة براي..عندنا مطبخنا..بخُش مع أمي المطبخ..بحضّر وجبة أخوانى..بحمّيهم.. بذاكر معاهم. دوري بقى أوضح..بديت أعرف شنو الأسرة..شنو البيت..شنو الأخت الكبيرة..شنو احساسك وانتى بتقدمي لأخوانك الأصغر منِّك كل الرعاية.
بعد كده جاء دوري في القرية. القرية مقسمة ل 21 منزل. كل منزل فيهو من سبعة الى تمانية أطفال من الجنسين، وأعمارنا كانت مختلفة في البيت الواحد. بديت آخد أدوار تانية، ومسئوليات أخرى داخل القرية الكبيرة.
"بابا التاج" كان سعيد جداً جداً وهو بيولّيني كتير من المهام باعتباري أختهم الكبيرة. "أعملى يا نور".. "ذاكري لأخوانك يا نور" .."أخوانك ديل متشاكلين امشي الحقيهم يا نور" إلخ .
مرت الأيام وخلّصت الثانوي العام، ثم الثانوي العالي، ونجحت في امتحان الشهادة الثانوية. مدير المكتب الإقليمي للمنظمة الكان في "الأردن" مع "بابا التاج" حسّوا إنه ممكن إدوا للزولة دي اكتر من كده. جاتني منحة دراسية في الأردن. كنت أول طالبة في منطقة الشرق الأوسط من قرية الأطفال تطلع في منحة خاصة وتدرس الجامعة خارج دولتها. مشيت "الأردن" وأنا كلي زهو وفخر..مشيت "الأردن" وأنا شايلة معاى وصايا أمي الغالية. "يا نور خليكي واعية..خليكي حصيفة..أعملي حسابك إنتي ماشة في غربة وإنتي بت صغيرة".شلت وصايا أمي دي جواي ووصايا "بابا التاج" جواي.
في "الأردن" نزلت في قرية الأطفال. هناك استقبلوني بالترحاب، والحمد لله سمعتي الطيبة سبقتني. عديت أربعة سنوات في الجامعة، درست فيها سكرتارية وإدارة أعمال وجيت راجعة السودان.. جيت راجعة مُحمّلة بخبرات.. بشخصية عارفة تقدم شنو لأخوانها.. تقدم شنو لقريتها.. شخصية قيادية ناضجة وواضحة المعالم.
في المرحلة دي إتقدم شاب لخطبتي..شاب سوداني شجاع عصامي.. لمن طلبني كنت واضحة جداً معاه..وريتو وضعي الاجتماعي وأنا من ياتو بيئة ومن ياتو مكان، والوضع ده لا بقدر أغيِّره ولا بقدر الغيهو، ولا بقدر ألوّنه بأي كلمة من الكلمات، ولا بأي مصطلح من المصطلحات، لأنه ده واقع.. قدر ما لي فيهو يد. قلت ليهو لو إنت قادر تشيل شيلة بِت في ظروفي دي تأكد أنا حاكون سند وعون ليك على مدى الأيام والسنين.
ولأني كنت بستاهل- ولحدي الليلة بستاهل – إجتهد ومشى كلم أهله، وأهله جونا سريع جداً جداً وتمت الخطبة.. والعقد.. والزواج .. وزفّوني ورحّلوني لبيتي في سِنّار. مشيت لبيئة أخرى..لمجتمع آخر وأنا عروس..وأنا بت الخرطوم..ودخلت في نسابتي في علاقات جميلة جداً جداً.
عشت أيام جميلة رزقت خلالها بتلاتة أطفال.. ولدين وبِت . في الفترة دي حسيت انه جواى لسه في مكان احتضن فيهو آخرين. كفلت ولدي"سعيد" وكانت تجربة مهمة شديد لأنه في الأيام الفاتت كنت بتعامل مع أخواني كأخت كبيرة. حسي أنا بقيت أم. برضه حسيت تاني إني عندي مساحة تانية بعد تجربة "سعيد"، مساحة تتسع لآخر محتاج للحب..والحنان..وللأسرة..والمأوى.
كفلت بتي التانية "عوضية".."عوضية" أضافت لي الكتير جداً جداً. لسة جواي نهم.. لسة جواي مشاعر وأحاسيس وجواي رؤية وخبرة تساعدني إنه أعمل أكتر من كده.
أنا صاحبة فكرة "منظمة شمعة".. "شمعة" كانت حِلِم.."شمعة" كانت المكان والملاذ. حتى وأنا بكتب في الأسس الحتقوم عليها المنظمة، كانت "شمعة" قِدامي، كنت بشوف نفسي جواها..بشوف أخواني جواها. أسست "منظمة شمعة" في عام 2007. أول حاجة عملتها إستدعيت كل أخواني ولميتهم حولي..لميتهم حول الفكرة وإنه نحن يا جماعة دايرين نقول للمجتمع ده كلام مهم..حنقولو ليهم كيف؟ لازم نقولوا ليهم عبر آلية وطنية. أسسنا "منظمة شمعة" برؤية واضحة جداً جداً، إنه نحن دايرين ننير هذه الظلمة.إشتغلنا في "منظمة شمعة" بنشاط وهمة كبيرة جداً، وحققنا بعمر المنظمة حقيقي إنجازات ما بتخفى على أي إنسان متابع للعمل الطوعي وحماية الأطفال.
ومن الإنجازات المهمة جداً جداً الأنا عبر "شمعة" ثبّتّها – الحمد لله – إنه أنا أول زول كسر حاجز الوصمة المجتمعية وقال للناس: أنا عشت تجربة الأطفال المحرومين من الرعاية الولادية وانا فخورة بنفسي..فخورة جداً وشجاعة لأني قدرت أكسر الحاجز ده، وقدرت أقول للمجتمع بإنه نحن موجودين يا جماعة بغض النظر نحن جينا كيف للحياة لأنه دي ما مسئوليتنا نحن.
في "شمعة" أنجزت إنجازات أساسية من خلال استخراج الأوراق الثبوتية لأخواني بدءاً من شهادة الميلاد (أو التسنين)، والجنسية، وحسّي الرقم الوطني. أكتر من 150 مستند نحن أو أنا بالتحديد استخرجته لأخواني عبر "شمعة". في "شمعة" أنجزت انجازات مهمة، وساهمت في كفالة 150 طفل من داخل الدار لأسر خارج الدار. في "شمعة" رجّعت أكتر من 70 طفل لأسرهم الحقيقية والممتدة الأصلية.
في شمعة زوّجت شابة تعرضت للمشكلة دي وجابت طفل خارج إطار الزواج. بسعي كبير جداً جداً قدرت أزوج الشابة دي للشاب. إشتغلت عبر كل الميديا المسموعة والمقروءة، والقنوات الفضائية الداخلية والخارجية. وقلت للعالم بوضوح شديد نحن موجودين، ونحن ما عندنا علاقة بذنب آباءنا، ونحن ناس إيجابيين، ونحن ناس مسئولين ودايرين نغيّر واقع هذه الشريحة.
واحدة من الحاجات المهمة الأنجزتها في "شمعة"، هي إني كتبت قصة حياتي في كتاب بعنوان Daughter of dust "ابنة الغبار". الكتاب باللغة الانجليزية وهو موجود في كل المكتبات.. في مكتبات لندن وغيرها من البلدان. قِدِرتَ أوجِد أربعة منح في جامعات سودانية لأخواني من الطلاب عشان إواصلوا تعليمهم الجامعي.
عبر "شمعة" قِدِرتَ أجمع أخواني في وظائف داخل "شمعة"، في مشروعاتنا المختلفة. وأيضاً عبر علاقاتنا وشراكاتنا الأخرى،اجتهدت إنه أساعد أخواني من خلال مكتبنا بتاع التأهيل النفسي والاجتماعي إنهم إتخطوا حاجز الوصمة الاجتماعية، وإقولوا للمجتمع كله نحن ما عندنا علاقة بذنب آباءنا.
في عام 2012 قِدِرتَ أنال جائزة صاحبة أفضل منظمة عمل طوعي في السودان لحماية حقوق الأطفال مجهولي الابوين. ودي جائزة بتمنحها "منظمة حقوق الطفل السويدية". اشتغلنا يا جماعة..اجتهدنا وما زلنا نجتهد، ومُصِرّين إنه نغيِّر مُجتمعنا في إطار قبولنا، والتعامل معانا، ودمجنا في المجتمع، وده حق طبيعي لينا. شعارنا في كل السعي ده إنه ننير ظلمات هذه الفئة ونبقى أمل للكل في "شمعة" إنه يعيشوا حياتهم زى كل الأطفال.
بدور عبدالمنعم عبداللطيف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.