الحياة اللندنية : على رغم صعوبة الانضمام الى مراكز البحوث الفضائية وعلوم الفيزياء والرياضيات التطبيقية Applied Mathematics ، خصوصاً بالنسبة الى النساء، ثمة من أصررن، مثل وداد المحبوب ( أميركية من أصل سوداني ) على اقتحام تلك المواقع التي تبدو كأنها حكر على الرجال . وقد تفوقت المحبوب فيها . وأثبتت كفاءتها أكاديمياً وتفوقها تكنولوجياً . وصنعت إنجازات رائدة، ما وضعها في الصفوف الأولى من المجتمع العلمي . فمنذ مراحل دراستها الإبتدائية والثانوية، تأصلت في نفس المحبوب نزعة علمية جارفة دأبت على تغذيتها بمطالعة الكتب والمجلات العلمية المتوافرة حينذاك في «المركز الثقافي الأميركي » في الخرطوم . وبعد ان أنهت دراسة الفيزياء وعلوم الفضاء في السودان ومصر، سافرت في العام 1988 الى هولندا بمنحة تعليمية من « المجلس القومي للبحوث» في السودان . وفي العام التالي، انتقلت الى أميركا . وتابعت تخصصها في جامعة « ويسكنسون- ماديسون» حيث أنهت شهادة الماجستير في الهندسة الفيزيائية . ثم نالت الدكتوراه في هندسة البيئة الفضائية من الجامعة عينها . وحينها، كانت المحبوب أول امرأة أميركية وعربية تجمع بين تلك التخصصات وتصل الى تلك الدرجة العلمية . الأرض عن بُعد : استهلت المحبوب في حياتها المهنية بالعمل أستاذة في قسم علوم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بُعد . ثم انتقلت الى دراسة مكوّنات الكواكب وتحليلها في « وكالة الفضاء والطيران الأميركية » ( ناسا ) . وسرعان ما تدرّجت في السلك الأكاديمي كي تصل إلى منصبها الحالي، حيث تعمل بروفسورة في علم الرياضيات التطبيقية، في جامعة هامبتون في ولاية فرجينيا . وإضافة إلى ذلك، تشرف المحبوب على « مركز علوم الأرض والفضاء والاستشعار من بعد» ، الذي يضم مجموعة من الحواسيب الخارقة »)سوبر كومبيوتر» Super Computer ) تتمتع بخواص عالية الكفاءة . وتعمل أجهزة ال «سوبر كومبيوتر » بنظام « المعلومات ذات الطيف الفائق » Hyper spectral Data . وتتشارك في تمويل المركز وكالة « ناسا» ووزارة الدفاع الأميركيتان . وتتولى المحبوب الإشراف على عدد من الطلاب الأميركيين في قسمي الماجستير والدكتوراه . وفي حديث إلى «الحياة » ، عرضت المحبوب أهم إنجازاتها علمياً في مجال استكشاف البيئة الفضائية . وقالت : « في عملي الراهن، يتمثّل الهدف الرئيسي في التأكد من وجود المياه والمعادن على سطح المريخ من خلال تحليل المعلومات المتواصلة التي تبثها المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية . أحياناً، ينطلق العمل من صور مشوشة وغير واضحة نعمل على تنقيتها في المختبر وإزالة ما فيها من شوائب عبر أجهزة متطورة، ومن خلال استخدام الطُرُق المنهجية في الرياضيات التطبيقية . وفي نهاية الأمر، نحصل على صور فضائية نقية وواضحة تماماً» . ولفتت المحبوب الى بعض الحقائق المهمة في مجال عملها، وقالت : « من خلال دراسة المواد المعدنية، تبين أن الماء موجود في كوكب المريخ ما يعني أن من المحتمل ان تكون بعض أشكال الحياة قد نشأت فيه قبل حقب سحيقة … ولعل الكوكب الأحمر تعرّض لتغيّرات كارثية أخفت معالمه بشكل جذري . وأشارت إلى أن نسبة الأوكسجين على سطح المريخ لا تتعدى 2 في المئة، فيما يحتاج الإنسان الى وسط تصل نسبة الأوكسجين فيه إلى 21 في المئة، كي يبقى على قيد الحياة . وسجلت المحبوب ابتكاراً في هذا النوع من البحوث لدى وكالة « ناسا » تحت عنوان « نموذج رياضياتي مؤتمت عن معادن المريخ » Computerized Mathematical Model for Mars Minerals . ووصفت إنجازها الآخر قائلة : «يتمثّل تحديد المواقع على سطح الأرض وتقسيمها وتصويرها بدقة متناهية وتحليلها عبر كومبيوترات عملاقة تستخدم نظام « المعلومات ذات الطيف الفائق » . وقالت : « استخدمنا 224 حزمة ضوئية تحمل المعلومات التي تأتي من شبكات الأقمار الاصطناعية . ثم قسّمنا الحزم الضوئية، ما أدى إلى تحسين جودة الصورة عبر تقسيمها الى أجزاء صغيرة … فكلما كانت الحزمة صغيرة كلما أصبحت نقية ورؤيتها واضحة » . أشارت المحبوب إلى أن هذه التقنيات تستخدم في استكشاف الثروات الطبيعية الموجودة على سطح الأرض وباطنها مثل تحديد مواقع حقول البترول والمعادن وغيرها . وأوضحت أن التقنيات ذاتها تستعمل أيضاً في أغراض المسح الجيولوجي والاركيولوجي لمعرفة المكوّنات الأساسية للأرض وما تتعرض إليه من تغيرات وكوارث طبيعية . وسجلت المحبوب براءة اختراع عن ابتكار في علم الرياضيات متصل بهذا النوع من الرصد، حمل اسم « نموذج رياضياتي عن التصنيف العالي الدقة » Model for Highly Accurate Classification . وتقديراً لجهودها العلمية والتكنولوجية، حظيت المحبوب بعدد من الجوائز المادية والمعنوية من وكالة « ناسا» ومجموعة من المؤسسات العلمية في أميركا . كما حظيت بعضوية عدد من الجمعيات العلمية، يأتي في مقدمها «الجمعية الأميركية للرياضيات » . 082303b.jpg كما هي عضو في لجنة تدير القمرين الاصطناعيين «إيمز » AIMS و« كاليبسو » . وهذان القمران ملك لجامعة « هامبتون» ، وتموّلهما وكالة « ناسا » ، ويعملان في مجال دراسة السحب الثلجية في الأرض . ونشرت المحبوب عشرات الأوراق العلمية في المجلات العالمية المتخصصة حول أنظمة الاستشعار من بعد والأقمار الاصطناعية وبرامج الكومبيوتر الذكية وتقنيات التصوير والإشارات الضوئية وغيرها . وحول مدى إفادة السودان من بحوثها وعلومها، أشارت المحبوب الى انها راغبة في تطوير بلدها كي يتمكن من دخول صناعة الفضاء واستغلال ما يتمتع به ثروات طبيعية . وكذلك تحدثّت عن تجربتها كأول عالمة عربية مسلمة تصل الى مناصب أكاديمية وعلمية رفيعة . وقالت : «من الطبيعي ان تُسلّط الأضواء على امرأة تشغل مثل هذه المناصب، ولكن بقدر كبير من الإعجاب والثناء، انما لم يخل الأمر أحياناً من التمييز العنصري » .