دعا السفاح عمر البشير إلى إعلان "النفير العام" لملء ما وصفها بالفراغات الإيمانية على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة لإصلاح العلاقة مع الله وإزالة نقاط الضعف وتمثل طريق السلف للمحافظة على الهوية والشخصية الإسلامية"، على حد قوله. وقفت قليلاً أتأمل في المقصود، هل هو نفير على شكل ( نفرة زراعية) ما حصدنا منها سوى انهيار أكبر المشاريع الزراعية في كل أفريقيا، مشروع الجزيرة، الذي أصبح أثراً بعد عين، ؟؟ أم "النفرة الخضراء" تلك التي حولت بلادنا إلى جدب وجفاف؟. أم هي نفرة من نوع آخر. والمتأمل لعبارة البشير يجدها عبارة " مطاطية " أو " لزجة" كشأن عبارات الإنقاذ التي أبدعتها منذ " التوالي"، و" الجمهورية الثانية"، وتلك ( الإبتلاءات ) التي يكررها على مسامعنا الجنرال أحمد ابراهيم الطاهر رئيس برلمان حزب البشير، وهي عبارات مثل فقاعات صابون يطلقها أطفال صغار في الهواء عبر أنبوب صغير، فيتابعون حركتها الدائرية حتى تتبخر بعد لحظات. أما إن كان البشير يقصد بالفراغات الإيمانية؛ ضعف إيمان الفرد في السودان، أو انحراف الناس عن الطريق القويم المؤدي إلى الله سبحانه فتلك أزمة كبيرة، فإن كان البشير يشعر بوجود اختلال في الموازين، أو يرى بنفسه انحرافات أخلاقية ضربت المجتمع فهي مصيبة . فقد أغرقتنا الإنقاذ عبر حوالي ربع قرن بالشعارات الكبيرة، مثل ربط قيم السماء بالأرض، والمسيرة القاصدة إلى الله، فما رأينا منها سوى دولة فاشلة، وفسوق وفساد أهل الحكم والحكام ومن شايعهم بدعم سياساتهم فعلاً أوقولاً، وليس هناك أدلة أوضح من أخبار اغتصاب الأطفال، وبعض المغتصبين مدرسين، أو أئمة مساجد، أو شيوخ خلاوي لتحفيظ القرآن، ويكفي أن في منطقة واحدة في ولاية الخرطوم، وهي شرق النيل تصل فيها أعداد الاغتصابات اليومية إلى 10 حالات، وقد أكدت ذلك محاسن الأمين الباشا وكيل نيابة حماية الأسرة والطفل بمحلية شرق النيل. أقرت بأنها تسجل يوميًا ما لا يقل عن «10» حالات اغتصاب في اليوم للأطفال أي بمعدل يصل إلى «300 » طفل في الشهر بمحلية شرق النيل في ظل غياب تام للأجهزة الأمنية .. فتأمل حديث البشير عن ( الفراغات الإيمانية). وبعيداً عن المعايير الأخلاقية المرتبطة بالجنس وعلاقتها بإيمان، هناك الفساد الأكبر، فساد السلطة، أموالنا التي تتناقلها دفاتر شيكات القطط السمان، وأثرياء أزمنة اللزوجة والمشروع الحضاري الأكذوبة، وتقارير المراجع العام حول الفساد الممنهج، والمحمي بشعارات التمكين، وهي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه . ومع كل ذلك؛ ليس هناك فساد أكبر من قتل النفس التي حرم الله قتلها، وسفك الدماء حتى في الأشهر الحرم، فكم من نفس قتل البشير وزبانيته؟؟ وكم من قرية حرقها جنجاويده؟. وكم من شخص عذبته عناصر أمنه في بيوت الأشباح سيئة السمعة؟؟ ولو كان هناك من يحتاج إلى نفرة لسد الفراغات الإيمانية فهو البشير قبل الآخرين، ذلك الذي يقتل الناس ويشرب من دمهم، ويرقص فوق أشلاء جثثهم!..