أفكار لبرالية بلغة محافظة، هي الجملة التي لخَّصت بها الأجهزة الإعلامية البرنامج الانتخابي للرئيس الأميركي بارك أوباما. ولغة لبرالية وأفكار محافظة، هي الجملة التي وجدتها مناسبة لتلخيص حكاوى عدد من بنات جيلي عن تجاربهن الشخصية مع شباب يتعاطون السياسة والثقافة والأدب بدلاً عن الخبز. فهم شباب على درجة عالية من الثقافة والمعرفة ويتحدَّثون بلغة مدهشة ويتلاعبون بألفاظ اللغة العادية، فيمنحونها الحياة. كل أحاديثهم تبدأ ب أنا أعتقد وأنا أرى، وتذهب نحو العدل كأساس للحكم، وتتماهى حتى تصل إلى موضوع اتساق المرأة من الرجل وكينونتها وشخصيتها المستقلة ذات الفعل الحقيقي في المجتمع وغيرها من التراكيب اللغوية المدهشة التي تجعلك تنزلق نحو عوالمهم كالمسحور. لكن، ما أن تدلف نحوها حتى تتلاشى الدهشة ويتبيّن لك جلياً عمق الفجوة بين الطريقة التي يتحدَّثون بها والطريقة التي يفكِّرون بها. فالشباب الذين يلفون أحلام التغيير كشالات حول أعناقهم ويرفعون لافتات مكتوب عليها (حكم العسكر ما بِشكَّر)، هم ذاتهم من يحملون مشاعل الديكتاتورية العاطفية، ففي أحيان كثيرة تجدهم يذيقون زوجاتهم وحبيباتهم كافة صنوف القهر العاطفي، وينسى الواحد منهم أن الديمقراطية غير قابلة للتجزئة بمعنى أنك لا يمكنك أن تطالب بنظام حكم ديمقراطي تقضي نهارك في شرح أهميته لتأتي مساءً وتمارس كافة أنواع القهر العاطفي على (زولة) أدخلتها إلى عوالمك من بوابة أنك رجل مختلف تؤمن بمبدأ الحقوق والواجبات. فالمثقّف السوداني حاله كحال المثقّف في كلِّ دول العالم العربي في تعاطيه مع موضوع الحب إذ يعتقد أن الرجل الذي في حياته قضية سياسية أو ثقافية ليس من أولوياته الاهتمام بالحب، فيجاهر بمناهضة التهميش الفكري والسياسي ويمارس التهميش العاطفي بعدم اكتراث واضح! فيحدث الإرباك وتقفز الأسئلة الظنية التي تشكِّك في عدم إيمان المثقّف بما ينادي به، وبين ما يلتزم بتطبيقه فكيف للمثقّف أن يتحدّث عن التهميش السياسي والفكري وهو نفسه يمارس التهميش العاطفي، فإذا كان التهميش السياسي هو أن تتخذ مجموعات محددة القرار نيابة عن الشعب بدعوى أن هذا القرار يحقق مصلحة الشعب الذي لم يشاور فيه أصلاً، فالتهميش العاطفي هو أن تتخذ أنت قراراً إنابة عن حبيبتك أو زوجتك بذات إدعاءات تحقيق المصلحة. وكيف للمثقّف أن يخرج في مظاهرة ضد النظام غير الديمقراطي ويكون قبلها بقليل استقبل مكالمة هاتفية من حبيبته التي اتصلت به لمناقشة موضوع يخصها فأنهى الحديث بجملة آمرية وأخبرها خلالها ان الموضوع غير قابل للنقاش إطلاقاً، ثم بعد ذلك تقدَّم الصفوف والتقطته كاميرا المصور وهو يهتف بهستريا: دولة ديمقراطية مية المية! فالازدواجية الواضحة التي يتعامل بها معظم المثقفين، أوقعت معظم بنات جيلي -جيل الثمانينيات- في ورطة حقيقية، فنحن جيل كنا نحلم بفارس يمتطئي صهوة فكرة لاصهوة جواد فخضن التجربة وخرجن منها بكسر مركب في الارادة ورفعن شعار: "إياك ثم إياك من ناس أعتقد وأفتكر". ملحوظة اولي فشلُنا في إدارة معاركنا الصغيرة هو بداية لفشلِنا في أدارة معاركنا الكبيرة. ملوحظة تانية كلما سمعت كلمة مثقف دثرت قلبي حاجة أخيرة عذراً لكل الذين يرون شبهاً بين قصتهم وما جاء في هذا العمود، فهذا من قبيل الحب وليس القصد .