كعادتي لا أأخذ الظاهر من حديث المسؤوليين وإنما تجدني أبحث وأدقق فيما وراء هذا الحديث، ولذلك فقد وقفتُ عند كلمة قائد الدعم السريع، محمد حمدان حميدتي، لدى استقباله للكتيبة الخاصة بقواته التي تم استدعائها على عجل من وادي هور على الحدود مع ليبيا إلى الخرطوم. وبعيداً عن الأسباب التي تمت لأجلها استدعاء هذه القوة إلى الخرطوم في هذا الظرف، دعوني أركز على نقطة وأحدة لفتت انتباهي في الحديث الناري لحميدتي، تلك الفقرة المتعلقة بحملة نزع السلاح من المواطنين التي نفذتها قوات الدعم السريع في عدد من الولايات بالأخص في دارفور، لكن حميدتي اكتشف أن الحملة لم يتم تنفيذها على الجميع بسبب الخديعة التي تعرض لها او كما يفهم من حديثه التالي: يقول حميدتي “الآن الناس حارسين قروشهم بالحراسات في الخرطوم ونحن مانعين السلاح.. منعنا السلاح من الناس الفي الخلا، العندو مراح الإبل والعندو مراح الغنم والعندو مراح البقر منعناهم من السلاح، وحقهم بتشال قدامهم الآن، الآن حقهم بتشال قدامهم ونحن مانعنهم السلاح، أنت قاعد لي في الخرطوم وضارب المكيف ودكانك فاتح وخاتي ليك زول مسلح قاعد بكلاشو يحرسك؟ .. الكلام دا فوقو تناقض أولاً، دا ما الكلام المتفق عليهو، الكلام دا فيهو مشكلة، مافي سلاح ماف سلاح، مافي زول دا ومصارين بيض ودا ود مصارين زرق، كل الناس واحد، ماف زول أحسن من زول، سلاح ممنوع ممنوع، قروش تجيبهم من البنك”. وتابع “يا أخونا قروش في البنك دي أمانة، أمانة الله ورسوله!، زول يا أخونا يورد قروشوا أمانة، ياخ أورد قروشي أمانة ما تديني ليها؟؟ الكلام دا ما مقبول نهائياً”. وبينما أنا أبحث عن تفسير لهذا الحديث بالتحديد ودلالاته في هذا التوقيت، إذ ان لا المقام ولا المكان يستدعيان الحديث عن جمع السلاح، فتلك حملة لها مناسباتها، فما الذي يجعل حميدتي يتحدث عن جمع السلاح هنا وفي هذه اللحظة؟ .. وبينما أنا غارق في تفكيري وتحليلي عثرتُ على مخطوطة للدكتور الإسلامي التجاني عبد القادر، يتحدث فيها عن حقيقة المندسين والمخربين الذين أشار إليهم البشير في خطابه بالجزيرة، دون ان يكون صادقاً في الحديث عن المعنيين الحقيقين، وإنما ذهب البشير لتحميل المسؤولية لمن اسماهم ب “الخونة والعملاء والمندسين والمرتزقة”. ويؤكد التجاني عبد القادر أن المندسين الحقيقين الذين يقتلون المحتجين ويقمعون الثوار، هم طبقة الرأسمالية الطفيلية التي نبتت في عهد الإنقاذ وتغلغلت داخل النظام وأمتصت موارد البلاد والعباد وأصبحت تمتلك اقتصاد مواز لاقتصاد الدولة، تتحكم في أسعار الصرف وحركة البيع في كل المعروض في السوق، وقد تشابكت مصالح هذه الطبقة فبات مصيرها رهين باستمرار هذا النظام، وكي تحمي هذه المصالح فعليها حماية النظام والدفاع عنه حتى الرمق الأخير. لقد أجاب الدكتور التجاني عبد القادر عن كثير من الأسئلة التي تشابكت في رأسي وأنا أفكر في حديث حميدتي، الذي جاء متزامناً مع حوادث القتل التي وقعت في صفوف المحتجين في الخرطوم وعدد من الولايات، وقد كان مصدر الرصاص ليس الجيش ولا الشرطة ولا الدعم السريع وربما حتى جهاز الأمن، وإنما كان من أشخاص بزي مدني يحملون أسلحة كلاشنكوف يجوبون شوارع الخرطوم على سيارات بدون لوحات يقفزون منها على مقربة من المتظاهرين ويرتكزون بكل جرءة ويصوبون الرصاص على المتظاهرين، وقد أنتشرت صور بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ان إلتقطتها عدسات هواتف الناشطون. هؤلاء إذاً هم الذين يعنيهم حميدتي بحديثه “قاعدين في مكيفات الخرطوم وخاتين أسلحتهم في منازلهم ومتاجرهم وشركاتهم وقصورهم” لحراسة كل ما ملكوه خلال سنوات هذا النظام، ولأنهم يعلمون أنهم لم يتملكوا ما تملكوه بطريقة مشروعة احتاطوا لحراسته من خلال تشكيلات أمنية مسلحة تغلغلت في المجتمع ولا أحد يعلم عنهم شيئاً. المهمة ليست هينة والأمر أكبر من إسقاط البشير، لا بد من محاصرة هذه الفئة باستمالة القوات المسلحة والشرطة وحتى قوات الدعم السريع، فهي تبدو الأقرب للانحياز لمطالب الشارع، ليس بعد حديث حميدتي فحسب، بل لأنها تكاد تكون الوحيدة التي لم يغذوها الاسلاميين، فإن كان الاسلاميين قد زرعوا عناصرهم بصورة كبيرة داخل الأجهزة الأمنية وأستولوا على قيادة الجيش والشرطة وجهاز الأمن، فإن قوات الدعم السريع، لا زالت على بداوتها وسجية البدوي الصراحة لا الخبث، وحفظ العهد لا النكوص عنه، فلا بد من تحييد هذه القوات في هذه اللحظة الحاسمة، وبعدها لكل حادث حديث. من صفحة الصحفي أحمد حمدان بموقع فيسبوك