أثار إلغاء زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لتركيا التساؤلات مجددا حول ما إذا كان السعي الدؤوب من جانب أنقرة لزيادة دورها الإقليمي في منطقة الشرق الاوسط يأتي الان على حساب تحالفها التقليدي مع الغرب. واستطرد يقول 'ليس هناك أدنى شك في أن عدم التماسك فيما يتعلق بحالة البشير وضع تركيا في دائرة الضوء وأذكى الشكوك حول درجة الاعتماد عليها و'بوصلة اتجاهها على صعيد السياسة الخارجية'. جدير بالذكر أن المحكمة الجنائية الدولية وجهت اتهامات للبشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في إقليم دارفور بغرب السودان حيث لقي ما يربو على 200 ألف شخص حتفهم في الاشتباكات بين المتمردين والميليشيات العربية منذ 2003 .وأصدرت المحكمة أمر توقيف بحقه. وكان الرئيس السوداني ينوي حضور قمة اقتصادية لمنظمة المؤتمر الاسلامي في اسطنبول لكنه ألغى زيارته في آخر لحظة متذرعا بالحاجة إلى التصدي للمشاكل السياسية في الداخل. زيارة امس الاثنين كانت ستكون هي الزيارة الثالثة للبشير لتركيا خلال 18 شهرا وإن كانت ستكون الاولى منذ صدور أمر توقيفه. وتسعى تركيا على مدى الاعوام الخمسة الاخيرة إلى ترسيخ نفسها كقوة سياسية واقتصادية إقليمية في محاولة لاقامة علاقات أكثر قوة مع دول الجوار العربية والاسلامية . فعلى سبيل المثال توطدت العلاقات بصورة كبيرة بين أنقرة ودمشق وطهران. كما نشطت أنقرة في أفريقيا أيضا حيث تضاعف حجم التجارة مع القارة ثلاث مرات ليصل إلى 18 مليار دولار مقابل 7 مليارات دولار منذ 2006. وخلال الاعوام الثلاثة الاخيرة تضاعف حجم التجارة بين تركيا والسودان أربع مرات حيث تقوم الشركات التركية بتنفيذ عدد من مشروعات البناء الكبرى في العاصمة السودانية الخرطوم. بيد أن سياسة أنقرة تجاه السودان تضعها على ما يبدو في الاتجاه الخاطئ بالنسبة لحلفائها الغربيين . ففي مذكرة دبلوماسية سلمت يوم الجمعة الماضي طلبت بروكسل من تركيا إعادة النظر في دعوتها للبشير. وتقول كاتينكا بايرش المحللة بمركز الاصلاحات الاوروبية ومقره لندن 'تساور أوروبا بالفعل شكوك إزاء التوجه السياسي لتركيا'. وأردفت تقول 'تود تركيا أن ينظر إلى دورها الاقليمي المتنامي على أنه أمر إيجابي بالنسبة للاتحاد الاوروبي لكن الطريقة التي تسير بها الامور تفيد أولئك الذين يعارضون انضمام تركيا للتكتل الاوروبي'. غير أن المسئولين الاتراك يرفضون الزعم بأن جهودهم الرامية إلى تنويع خياراتهم على صعيد السياسة الخارجية لا يناقض التوجه التقليدي لانقرة. وفي لقاء مع أعضاء الحزب الاحد قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان 'إن السياسة الخارجية لتركيا لا تشهد الان تغيرا في التوجه أو محور ارتكازها. لكنها تسعى إلى تطبيع العلاقات والانحياز إلى الانصاف'. لكن دفاع أردوغان عن زيارة الرئيس السوداني أصاب المنتقدين بالفزع. وأضاف أردوغان أمام أعضاء حزبه 'لا يمكن لمسلم أن يقترف إبادة جماعية وذلك هو سبب ارتياحنا (لزيارة البشير)'. ورغم انتقاداته العنيفة التي وجهها في السابق لاسرائيل وأفعالها في غزة قال أردوغان إن الموقف في دارفور مختلف.