حديث عصا البشير أعاد إلى ذهني المقارنة التي عقدتها بين كافور الاخشيدى وعمر الكافوري. فهذه مناسبة للتذكير. ولعلكم تعرفون الرجلين تماما. ولكن شتان بين هذا وذاك. فالرجل الأول كتب عنه التاريخ ولكن لم ينصفه لأنه عودى من أكبر شاعر أرزقى عرفته الأمة العربية. ولذلك انتبهوا جيدا أعزائى فالتاريخ ليس مزبلة فقط. فالأرزقية يلطخون مزابل التاريخ بوسخ ضميرهم المهترئ من التطبيل ويزيفون معالمه بقذارة أقلامهم المنحرفة بالكذب. اما الرجل الثانى فإنه معاصر لنا وقد دجن كل الوسائل المتاحة من أرزقية وصحافة مأجورة وغواصات ومتخاذلين وقليلو الشرف والأمانة والذمة والضمير ليبدو هو كالمحجة البيضاء ولكنه لا يعقل ولا يعلم ولا يشعر إنها سوداء لا يزيغ عنها إلا ناصح. سودٌ ولكن هم أُسُودٌ ... يقول الولد الشقى الأستاذ محمود السعدنى: كافور الإخشيدي يلقب أيضا بأبو المسك حكم الدولة الأخشيدية سنة 946 في مصر وسوريا لمدة 23 عاما بعد وفاة محمد بن طغج. وهو صاحب الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية في مصر مترابطة ولم تنقص شبر. فكثير من المؤرخين يعيد له الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية متماسكة، ويكفي ان نعرف أن الفاطميين كلما عزموا على غزو مصر تذكروا كافورا فقالوا: «لن نستطيع فتح مصر قبل زوال الحجر الأسود» يعنون كافورا. ومع أن كافورا كان أسود اللون مثقوب الشفة السفلي مشوه القدمين بطيئاً ثقيل القدم ومخصى وقاسي الأمرين ولقي الكثير من العنت من سيده الأول إلا أنه كان حر فى فكره حيث عرف السبيل نحو القراءة والكتابة فنفض يديه عن عمله كخادم "عبد" يعمل فى معصرة الزيوت لا سيما مع تشجيع سيده الجديد ابن عباس الكاتب الذى كان ذا صلة بمحمد بن طغج. حيث لم يمنعه هذا الماضى ووصفه وذمه بالعبد من الارتقاء في السلطة وحكم مصر وأجزاء من سوريا لأنه كان حر فى عقله وتميز فى المجال العسكرى. وكان ذلك مثالا ودليلا على أن لا عنصرية ولا عرقية ولا هوية فى الإسلام ويمكن لأي فرد عادي بغض النظر عن أصله أن يساهم في بناء الدولة ويرتقي فى السلطة و ينخرط في جميع المجالات والحفاظ على تماسك الثقافة ونسيج المجتمع والتفاعل بين مختلف الإثنيات للإرتقاء بالدولة. أما من ناحية الحكم بالعدل ففي أيامه لم يجد أصحاب الأموال من يقبل الزكاة منهم. ولقد كان كافور صاحب علم وصاحب فضل وكان يصاحب أفضل علماء زمانه وكان من حاشيته علماء النحو والفقه واعدل القضاة. وكانت مؤائده عامرة ومبذولة للجميع ودوره مفتوحة للفقراء قبل الأغنياء. وما يدل على عظمته انه عندما مات ماتت مصر من بعده بحكام لم تنهض من رقدتها الا بقيادة بطل تاريخي وهو صلاح الدين. حقد الأرزقية والطبالين على الشرفاء .... ولكن قصة التزييف بدأت عندما حدث زلزال في مصر فتشاءم الناس وهربوا من المدينة واعتزل كافور. فكان هناك شاعر ارزقي اخرج كافورا من عزلته اسمه محمد بن عاصم فقال: ما زلزت مصر من خوف يراد بها****لكنها رقصت من عدله طربا قصيدة نفاق من شاعر كذاب دفع اليه كافور الف دينار ذهب. هذه الجائزة جعلت كبير الشعراء الطبالين وأعظم موهبة ارزقيه أنجبها التاريخ في الشعر بالتوجه لمصر لنيل تلك الجوائز. ولعل هذا من حظه السيئ. فقد مدح كافور في البداية ثم لعن سنسفيله في النهاية. مدحه فقال عنه: وأخلاق كافور اذا شئت مدحه*** وان لم أشأ تملي علي وأكتب اذا ترك الأنسان أهلا ورائه*** ويمم كافورا فما يتغرب فتى يملأ الأفعال رأيا وحكمة*** ونادرة احيان يرضى ويغضب أبا المسك هل في الكأس فضل أناله*** فأني أغني منذ حين وتشرب اذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية*** فجودك يكسوني وشغلك يسلب وما طربي لما رأيتك بدعة***لقد كنت أرجو ان اراك فأطرب وتعذلني فيك القوافي وهمتي*** كأني بمدح قبل مدحك مذنب فعندما سئل لماذا مدحته إذا في البداية قال: كنت فاقد الوعى. تبرير ينطق به كل الارزقية الانتهازيون المتلونون المتحولون. ومع كل هذا المدح و الانبطاح وتكسير الثلج لم يكافئه كافور بمنصب رفيع ولم يمنحه الهدايا المنشودة. لذلك حقد عليه فهرب من بلده وسخر منه وهجاه، وكان من أشهر أبيات الشعر التي هجا بها المتنبي كافورا: القصيدة التى تحوى بيت شعر العصا الذي قاله الكافوري: عيد بأية حال عدت يا عيد ... لا تشتر العبد إلا والعصا معه***إن العبيد لأنجاس مناكيد صار الخصي إمام الآبقين بها***فالحر مستعبد والعبد معبود من علم الأسود المخصي مكرمة***أقومه البيض أم آباؤه الصيد أم أذنه في يد النخاس دامية***أم قدره وهو بالفلسين مردود أولى اللئام كويفير بمعذرة***في كل لؤم وبعض العذر تفنيد وذاك أن الفحول البيض عاجزة***عن الجميل فكيف الخصية السود وللأسف استطاع هذا الأرزقى بهذه الأبيات التافهه أن يصرف أذهان الناس وبصر التاريخ بهذه الإنصرافية الشخصية والعنصرية النتنة والبغيضة عن القضايا الرئيسية التي ساهم فيها كافور الأخشيدى والتي أقلها حفاظه على الدولة متماسكة خلال حكمه 23 عاما. والجهلاء يلمعهم الطبالون.... لقد وصف كافور الأخشيدى بالعبد والمخصى، ولكنه كان كان عبدا لله ولم يكن عبدا لحزب او لأحد. كان مخصى جسديا فقط ولم يكن مخصى فكريا. فعقله كان حرا له فأصبح خصيب الفكر، فأقام العدل بعلمه وبمعين أهل العلم والحكمة ونبذ وأقصى وأبعد كل الأرزقية والطبالين ليستمع لكلمة الحق. أما عمر الكافوري عكسه تماما. فقد قسم دولته وأفقر شعبه وظلمهم وازكي النعرات العصبية والقبلية حتى باعتراف شيخه انه كان يقول على احد الذين معهم (اكثر منه سمرة): هذا العب والفريخ..!!! ويتهكم على الاخر بكبر جسده وصغر راسه فى الإعلام.!!!. ولا يرى الكافوري جبال الفساد التى صارت أوتادا فى دولته الفتية، فكيف لا، وهل يرى الجمل عوجة رقبته!. ولا يكل ولا يمل من التدليس والتمليس وتحرى الكذب وعدم الاعتراف بالفشل ولا الفساد و الافساد. ويساعد ويساهم ويغذى ويستميت فى تراكم هذه القاذورات كل الملتفين حول السلطان ولكن ليسوا بشعراء فقط ولكن مثقفين أصحاب وعى تعيس من كتاب وصحفيين وغيرهم إذ لديهم آليات أخرى وحديثة للتطبيل والنفخ ومسح الاجواخ. وبإنتشار وسائل التكنولجيا صارت لهم عدة طرق لنشر هذا الغسيل الوسخ ليسحروا أعين الناس ليروه ناصع البياض، ثم يحرقوا البخور العفن ليبدوا دخانه الكثيف أرومة أو ريح زكية وطيبة للذىفقد حاسة الشم. وكل ذلك لتلميع الحاكم وليستمر فى حكمه غير منغص مادام وجوده معناه المحافظة على مصالحهم. والسبب كله يقع على من أتى به. هؤلاء الإسلاميين. فهم أنفسهم لديهم هذه النعرة النتنة والجهل بإحترام الإنسان الذى كرمه الله. فقد أقاموا تجربتهم وأفقهم الشاذ فى الوطن. ولكن لقد ماتت فكرتهم بفشلهم الذى أثبتوه عيانا بيانا بحكمهم الذى دمر البلاد. فقد ماتت الفكرة ولكن بقيت الفرقة تنهب وتفسد. وكانت هناك ثلة أولى من المخدوعين ذهبوا لمقابلة الرفيق الأعلى بينما لبد الأرزقية والطبالين لمرافقة وتلميع الرفيق المشير عمر الكافورى. لقد حكم عمر الكافورى للآن 23 عاما تماما مثلما حكم كافور الأخشيدى. ولكن كل سنة يقضيها فى الحكم تصيب السودان فى مقتل طعنا تمزيقا وتفريقا وتقطيعا وتقتيلا وتمويتا. حيث بالتأكيد يعتبر فرصة تاريخية لكل قوى خارجية لتمرير أجندتها التآمرية من دون أن يشعر مع بلادة رفعه للعصا التى يرفعونها هم عليه ويضحكون. لقد وجد على قبر كافور الأخشيدى مكتوبا:- انظر إلي غير الأيام ما صنعت*** أفنت أناساً بها كانوا وما فنيت دُنياهم ضحكت أيام دولتهم*** حتي إذا فنيت ناحت لهم وبكت فماذا سيكتب التاريخ يا ترى عن هذا الكافوري الذي ما برح في الحكم طفل يحبو...