لليوم الثامن علي التوالي تواصلت الإحتجاجات الشعبية الداعية لرحيل النظام السوداني، وإنضمت عدد من المدن في وسط وجنوب وشرق البلاد ومناطق جديدة بالعاصمة؛ التي كررت السبت سيناريو المظاهرات العنيفة التي اطلق عليها المتظاهرون (جمعة الكتاحة) وهي عبارة يستخدمها السودانيون لوصف الرياح التي تزيل كل مايواجهها. وفي مؤشر علي خطورة الاوضاع عقد مدير عام الشرطة إجتماعاً عاجلاً مع قيادات الشرطة السبت لبحث الاوضاع الامنية المتدهورة، وبينما نفت الشرطة استخدامها للرصاص الحي برزت حالات تأكد من خلالها ان السلطات إستخدمت الرصاص الحي لقمع المحتجين. ويواجه المشير البشير وحزب المؤتمر الوطني الذي يترأسه هذه الايام واحدة من اكبر التحديات في تاريخه منذ توليه السلطة عبر إنقلاب عسكري في يونيو 89 كان ستاراً لحزب الجبهة الإسلامية وقتها. حيث بدأت مؤشرات علي إتجاه لإعلان القوي والمجموعات السياسية المعارضة إيقاف كافة الاتصالات السياسية مع السلطة وسحب اعترافها بها ودعوة جماهيرها للنزول للشوارع، فيما بدأ الاعلام العربي الموالي للسعودية ومصر يتخذ نهجا اكثر تشدداً ضد النظام ويميل للمتظاهرين. وكانت مدن القضارف وكسلا وبورتسودان في شرق البلاد وكلاً من كوستي وسنار جنوبا وشندي شمالا قد إنضمت لقائمة اخري من المدن إندلعت فيها التظاهرات. وفي القضارف إعتقلت السلطات اكثر من 17 ناشطا وفرقت تظاهرة داخل وسط المدينة، فيما داهمت قوة يُعتقد أنها تتبع لجهاز الامن اجتماعا لقيادات المعارضة بالمدينة واعتقلت ستة منهم. وفي الخرطوم معقل الاحتجاجات، تواصلت عمليات الاعتقالات والمداهمات وشملت المئات من الناشطين ومنسوبي وقيادات الاحزاب السياسية تم اطلاق سراح بعضهم. وعلي غرار مسميات الشبيحة والبلطجية والكتائب التي تم استخدامها في وصف المليشيات الموالية للانظمة يُطلق الناشطين السودانيين مُسمي (الرباطة) علي الكتائب الموالية للبشير التي تقوم بضرب واعتقال المحتجين. وطالبت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات باطلاق سراح المعتقلين من النشطاء والسياسين، وقال منسق الهيئة الدكتور فاروق محمد ابراهيم "ندين بشدة العنف المفرط ،وغيرالمبررالذي تعاملت به السلطات الأمنية مع المتظاهرين العزل"، وأضاف : "ماقامت به السلطات الأمنية مخالف للدستور والقوانين ومواثيق حقوق الإنسان والأعراف الدولية". وبينما تواصلت الاحتجاجات علي نطاق واسع في العاصمة الخرطوم، شكلت مناطق الديوم والصحافات وسط وجنوبي الخرطوم مركز الثقل للتظاهرات، وهي دوائر حراك سياسي تاريخي حيث فاز في الاولي في آخر انتخابات ديمقراطية 1986 قائد الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد فيما سقط مرشح وقائد الحركة الاسلامية د.حسن الترابي في الثانية في نفس الانتخابات. وكانت الشرطة قد نفت استخدام الرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين، غير ان عدداً من الحالات تشير لعكس ذلك. ففي صمت وبعيداً عن اجهزة الاعلام أُجريت لفرح عبدالله نهار السبت بمستشفي الخرطوم (قسم العظام) عملية جراحية لاستخراج طلقٍ حي من ساقه. فرح الشاب في مقتبل العشرينيات من عمره والذي تقيم اسرته في القضارف نجا باعجوبة من الموت مساء الجمعة بمحطة الباشدار في الديوم الشرقية عقب إطلاق رصاص حي من السلطات مرت عدد منها بجواره واصابته احداها في ساقه. وكانت الشرطة قد اوضحت يوم الجمعة ان عدد المتظاهرين 150 شخصاً حاولوا الاعتداء علي منسوبيها فتصدت لهم، غير ان الاجتماع الطارئ الذي عقده مدير عام الشرطة مع قيادات وزارته نهار السبت (في ظل غياب وزير الداخلية وتواجده في لندن وهو مايثير التساؤلات في هذا التوقيت) يشير لتصاعد التظاهرات ودرجة الخطورة التي اصبحت تشكلها. حيث وقف الاجتماع وفقا للناطق الرسمي للشرطة اللواء السر احمد (على الخطط التأمينية و التدابير الوقائية الخاصة بوقف أية تفلتات أو تخريب أو اثارة للشغب من شانها إثارة البلبلة أو تخريب الممتلكات العامة و الخاصة)، واكد المتحدث الرسمي صدور توجيهات من المدير العام لقوات الشرطة (بالتعامل مع الشغب حسب ما نص عليه القانون و التعامل في الوقت نفسه مع المجموعات التي تستهدف الممتلكات أو المنشآت أو قفل الطرق بالحسم القوي و الفوري). وهي تصريحات تشير لإعتراف رسمي بخطورة الاوضاع، وتدهور الوضع الامني. وفي خطوةٍ تتماشي مع تصاعد التظاهرات، دعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لاستمرارها لحين إسقاط النظام، ودعا بيان صدر السبت عن اللجنة (لمواصلة المظاهرات حتى إسقاط النظام وعدم الالتفات للدعوات الكاذبة للحوار)، وفي نفس الإتجاه دعا حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده المرشد الروحي السابق لنظام البشير د. حسن الترابي لإستمرار التظاهرات. وفيما شاركت اعداد كبيرة من قواعده في التظاهرات، ينتظر المراقبون موقف رئيس حزب الامة الصادق المهدي آخر رئيس وزراء منتخب للسودان والذي تأرجحت مواقفه خلال الفترة الماضية مابين المواجهة والمهادنة مع نظام الإنقاذ. وفي ظل الإتهامات التي يوجهها معارضون وناشطون ضد نظام البشير لقطر بالوقوف مع حكومة الخرطوم وتجاهل قناة الجزيرة للتظاهرات بالخرطوم، يري مراقبون ان الاعلام الموالي للسعودية ومصر وذي الصلة بهم أظهر تعاطفاً مع المتظاهرين وافرز تغطية واسعة للاحداث في مؤشر علي تدهور العلاقات مع الخرطوم، وهو ماسيزيد من متاعب الاخيرة التي تعاني من عزلةٍ دولية ومطالبات بتسليم رئيسها للمحكمة الجنائية الدولية بسبب ارتكابه لجرائم حرب في دارفور.