الظاهرة الغربية المتصلة بمذيعات قناة الجزيرة انهن اشطر من رجال تلك التلفزة. ولا ريب ان الحديث عن تفوق نساء من الناحية العقلية والثقافية والعملية على الرجال امر يثير الاستغراب ويبعث الحساسية لدى البعض. ولكن الحق - والحق يقال - ان المذيعات اللائي يظهرن على شاشة تلك التلفزة اشد حنكة وامضى ذكاء والمعية وتوقدا من مذيعيها الرجال وان كان الكثير من رجال القناة محنكون واذكياء والمعيون على اتقاد. ويلفت النظر في حريم قناة الجزيرة انهن لا يعتمدن بالكلية على عناصرهن النسائية الانثوية ممثلة في جمال المطلع ولين الصوت وانما يضفن الى تلك العناصر عناصر جديدة من جهدهن الخاص - او بلغة أئمة المعتزلة القدامى - من كسبهن الخاص! حيث يدل أداؤهن على تحصيل علمي وثقافي وفكري وتأملي جيد. وبذلك ضمن لانفسهن الوصول الى مقامات عليا في مساقات الاعلام العالمي ونافسن وقيل تفوقن على كبريات المذيعات الامريكيات من امثال باربرا والترز ولين رسل وكرستيانا امان بور. فهن كمثلهن معلقات بارعات من الطراز الاول لا يكتفين برصد المعلومات وسرد الانباء وانما لديهن دائما ما يمكن ان يضفنه من التعليقات التي تنم عن ذكاء وتأمل جدي. وهن كمثل المذيعات الامريكيات سالفات الذكر وغيرهن محاورات من طراز رفيع لا يكتفين باشهار الاسئلة النمطية البدهية الجاهزة في وجه من يحاورنه مثل اشهار مذيعاتنا السودانيات الفضليات في وجه ضيوفهن سؤالهن الساذج: ما هي قراءتك لهذا الحدث؟ وهو سؤال نمطي معهود يتردد دوما على ألسنتهن - اقصد ألسنة مذيعاتنا السودانيات الفضليات - وقد اعفاهن هذا السؤال وامثاله من الاسئلة النمطية من عبء الدرس والفحص والتأمل ومؤونة إعمال التفكير لانتاج اسئلة ذات بال! واذا كانت المرأة العربية متهمة بضعف التمرس بمفردات الضاد وقلة محصولها اللغوي فان مذيعات قناة الجزيرة من بنات مي زيادة - وشرف لهن ان ينتسبن الى اديبة العروبة الكبرى مي - قد برهنَّ على غير ذلك بسيطرتهن الجيدة على لغة العرب وتملكهن الرائع لزمامها حتى خضعت لهن - وهي عصية! - واصبحت الفاظها طيعة على اعتابهن. ولا شك ان تملك اللغة بجانب تملك الفكر هو عدة لازمة للمذيع باعتباره اديبا او متأدبا. وقد انتبهت مذيعات قناة الجزيرة او نبهتنهن ادارة القناة الى ذلك ودربتهن عليه او اختارتهن اساسا ممن بذلن الجهد المطلوب سلفا على هذا الطريق الصعب الشاق. وبالطبع فلا يرجى من المذيعة ان تكتفي بقراءة الصحف والمجلات والمواد الاعلامية السطحية السهلة لتتأنق لغتها وتتألق ثقافتها. فقراءة امثال تلك المواد الهشة الحطيم لا تزيد اللغة إلا هجنة وفقرا وبؤسا وتضعضعا. ولا تنمو لغة المذيع ولا تزدهر الا بالاطلاع الوافر على صروف الادب العالي والتمرس بضروبه المتنوعة والاستقاء منه والاستقواء به. وقد غَرَفت مذيعات الجزيرة مليا من هذا النبع وشربن بقدر كاف منه. ولذا قلما يحسب المشاهد لهن تعثرا في نطق الكلمات او تلبسا في اخطاء النحو المنكرة. وان حدث فغالبا ما يكون الخطأ منبعثا من اثر الاجهاد وسرعان ما يستدركن ما بدر منهن من الاخطاء. وليس معنى هذا ان مذيعي الجزيرة يخطئون اكثر منهن في نطق الفاظ الضاد ويلتبس عليهم نحوها. وبالطبع فلا يتجه هذا المقال إلى مقارنة اداء حريم الجزيرة باداء رجالها في جميع النواحي ولا تفضيلهن عليهم في جميع النواحي فاكثرهم واكثرهن حرفيون حاذقون. ويحفظ لمذيعات الجزيرة - لاسيما غادة عويس - الاقتدار على مفاجأة من يحاورنه بأسئلة قوية لا يتوقعونها وربما تلججوا في الاجابة عنها وهن لا يتلجلجن. ويشهد لهن بالاقتدار على استيعاب الواقع وملاحقة مستجداته مهما تسارعت ومهما كانت صادمة وهذه بلا شك دلالة على الاعداد المهني الممتاز. وبعد فهذه جملة ملاحظات ايجابية تشير إلى التفوق المهني لمذيعات قناة الجزيرة عالية المهنية سواء في طبعتها العربية او الانجليزية وان كان ظني يغلب على ان طبعتها العربية هي الافضل من حيث المهنية. وقد جرتنا الي هذه ابداء هذه الملاحظات اهتماماتنا الاعلامية الثانوية التي نشقى بها ونرجو ان يخلصنا الله تعالى منها. وقد تطرقنا في غضون هذه الملاحظات إلى الحديث عن مستوى أداء مذيعاتنا السودانيات الفضليات اللائي لا نغض من قدرهن ولكنا لا نغض في الوقت نفسه النظر عن قصورهن الثقافي والادبي والمهني وهو قصور ملحوظ جد ملحوظ. وما قلنا ما قلنا إلا لأنا نحب أن ترتقي بعض مذيعاتنا السودانيات الفضليات بمستوياتهن الى قريب من مستويات مذيعات الجزيرة. وحتى نرجو عن حق ان تكون لنا في المستقبل مذيعة سودانية واحدة فقط تعمل بين مذيعات الجزيرة. ومذيعة سودانية واحدة فقط تضاهي مستويات مذيعات الجزيرة تظهر في المستقبل الوشيك او النائي على شاشات احدى تلفزاتنا المسئمة. وبالطبع فلا سبيل الى تحقيق ذلك الا الجهد الجهيد الصادق. وهو امر ممكن وليس دونه خرط قتاد! ولكنه ليس مستسهلا يقوم على محض التقليد الشكلي العرضي. وقد قلنا ما قلنا لان بعض مذيعاتنا ربما جنحن الى الارتقاء الى مستوى مذيعات الجزيرة عن طريق تقليد أصواتهن وربما بعض حركاتهن ولمحاتهن. وهو تقليد عابث لا يبعث الا على السخرية والرثاء.