مازال القرار الذي أصدره العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بقصر الإفتاء على هيئة كبار العلماء يلقى مزيدا من الترحيب من أكثر من منبر عربي وإسلامي، ويكاد يوجد إجماع على أن هذا القرار صائب ولو أنه جاء متأخرا بعد سنوات طويلة أحدث فيها "شيوخ الفضائيات" وبعض الصحف بلبلة في المجتمع جراء الفوضى التي أحدثوها في مجال الفتوى. واعتبر عدد من العلماء والدعاة أن هذا القرار سيحد من الفتاوى الشاذة التي انتشرت في الفترة الماضية وأصبحت مجال تنافس بين رجال الدين وشيوخ الفضائيات، في العديد من الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها السعودية. وأعربت الهيئات والمراكز الإسلامية في المملكة وخارجها عن ارتياحها لهذا القرار الذي وصفه علماء أزهريون بأنه "صريح وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار"، واعتبروه بمنزلة طوق النجاة من "تسونامي" الفتوى. كما رحّب عدد كبير من العلماء في السعودية في الأردن والكويت ومصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية واعتبروا اقتصار الإفتاء على ذوي الشأن المؤهّلين دون غيرهم خطوة حكيمة جاءت في الوقت المناسب لتعيد الأمور إلى نصابها بعد فترة طويلة من الجدل والتشتت بسبب الفتاوى والآراء التي يخالف البعض منها تعليمات الشريعة الإسلامية. واعتبر علماء أزهريون، وفي مقدّمتهم مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة الأمر الملكي السعودي إجراء حكيما وتطبيقا صريحا لما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية، مطالبين بتطبيق الإجراء نفسه في مصر، بحيث يقصر الإفتاء على دار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية. من جهته صرّح د. يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لصحيفة "المدينة" السعودية أن "خادم الحرمين الشريفين سنّ سنّة حسنة يجب أن تتبعها كلّ الدول الإسلامية.. بعد أن أحدث التسيب في الفتوى بلبلة وتطاولا على الدين من أعدائه وقد آن الأوان ليكون الإسلام واضحا للجميع وأحكامه أكثر وضوحا من خلال علماء الأمة الثقاة وأهل العلم الموثوق بهم". وعلى خلفية هذا القرار الملكي الذي أصبح ساري المفعول منذ تاريخ صدوره أصبح "شيوخ الفضائيات"، الذين أثاروا "فتنة الفتاوى"، ومن بينهم أكثر من 40 عالما سعوديا يتولون مهمة الإفتاء في عدد من البرامج التلفزيونية مطالبين بالحصول على إذن بالإفتاء الفضائي من مفتي عام السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. ولئن قوبل القرار بالترحيب، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من انتقاد هذا القرار واعتبر أنه يُخفي نوايا أخرى، غير تنظيم الإفتاء، وهي غايات تسعى إلى "تسييس الفتوى واحتكارها"، و"تمرير الكثير من الأهداف بغطاء ديني رسمي". ويتوقع الباحث السعودي في تاريخ حركات الإسلام السياسي منصور النقيدان الفشل لهذا القرار.. ويفسر، في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية ال"بي بي سي"، بأن ذلك عدم صلوحية القرار ترجع إلى أن "الفقه السني يرفض التراتبية وحصر الإفتاء في أشخاص تعينهم الحكومة".. مشيرا إلى أن هناك صعوبة أخرى تتمثل في ممارسة الكثير من العلماء للإفتاء عبر وسائل الإعلام في داخل وخارج السعودية". من جهته لم يخف المعارض الدكتور سعد الفقيه، زعيم "الحركة الإسلامية للإصلاح"، رفضه الشديد للقرار الملكي، حيث اعتبر هذا الأمر، في تعقيب له على موقع الحركة، "خروجا على منهج أهل السنة ومرفوض حتى عند المذاهب الأخرى"، معللا ذلك بأنه "لا يجوز عند أهل السنة لكائن من كان أن يحصر الفتوى في فئة معينة أو أشخاص معينين، ومن يقول بهذا القول يعد نفسه فورا مخالفا لمنهج أهل السنة". واعتبر زعيم "الحركة الإسلامية للإصلاح" أن "حيثيات هذا القرا تشير إلى أن الهدف الحقيقي هو منع البيانات التي تكتب من قبل بعض المشايخ، والتي تشتمل على إحراج للدولة لأن فيها تحميلا غير مباشر للدولة مسؤولية ممارسات غير شرعية". ويخشى الرافضون للقرار الملكي الذي يدعو اقتصار إصدار الفتاوى على كبار هيئة علماء المسلمين في السعودية من أن يكون القرار لعبة سياسية تجعل "هيئة كبار العلماء سيفا مسلطا على كل من يفتي بخلاف المزاج السياسي" وغايتها تمرير الكثير من القرارات و"الإصلاحات المتحرّرة" بالنسبة للمجتمع السعودي تحت غطاء ديني رسمي.