يتعرض السودان لضغوط مكثفة وكبيرة ولمخططات داخلية وخارجية تستهدف وحدته كأكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، وربما تصبح أكبر دولة في الثروة، الأمر الذي يشير إلى أن هذا البلد العربي مستقبله في خطر حقيقي والآن لابد من الإشارة إلى بعض الملاحظات التي تشكل عناصر البيئة السياسية الحاضنة للتطورات المتوقعة على أرضه التي تنتظر أحداثاً جساماً منها: * إن حدود الدول الإفريقية كما أبقاها الاستعمار بعد رحيله عنها تشكل حلاً أدنى لما يجب الحفاظ عليه، وقد اعترفت منظمة الوحدة الإفريقية قبل ميلاد الاتحاد الإفريقي بالحدود القائمة في القارة، رغم أن معظمها حدد بإرادة المستعمر الأجنبي، هذا إلى جانب أن السودان يتميز بأنه بلد الأعراق المختلفة والأصول المتعددة التي اختلطت على أرضه الدماء العربية والإفريقية. وكان من المنتظر أن تصنع تجربة التعايش المشترك بينها دولة متماسكة، ولكن للأسف، فإن التدخلات الخارجية دفعت ب«السودان» في اتجاه آخر، حتى أصبح تقسيمه وانفصال أجزاء منه أمراً مطروحاً، وكما يبدو على أرض الواقع الآن، فإن أصوات الجماعات الداعية إلى الانفصال ترتفع أكثر وعلى نحو غير مسبوق مع قرب الاستفتاء الذي سيجري في الجنوب السوداني. * الجدير بالذكر أن محاولات تمزيق وحدة السودان ليست جديدة أو وليدة هذه الأيام ولا الأمس القريب، فالسودان مستهدف حتى قبل أن ينال استقلاله. * لقد طرأت على الساحة السياسية في السودان عوامل جديدة جعلته يحتاج إلى لغة جديدة وتفكير مختلف، وظهرت إلى أرض الواقع مشكلات مركبة وأزمات متعددة خرجت من الإرث التاريخي، وما زاد الأمر خطورة اتجاه المشكلات السودانية نحو التدويل بشكل لم يكن معهوداً من قبل، وخاصة عندما قامت قوى أجنبية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل بدس أنفها في الشأن السوداني، في الوقت الذي لم يكن فيه للدور العربي أي ثقل مؤثر على مجريات الأمور هناك، بمعنى آخر كان العرب غائبين أو مغيبين عما يجري في السودان. * كانت مسألة «دار فور» ولاتزال هي الضربة القاصمة لوحدة السودان واستقراره لأنها قدمت مبرراً جديداً يدفع الجنوبيين إلى الإصرار على الانفصال والعمل من أجله، وبالأساس هي مسألة أو مشكلة مفتعلة تغذى من الخارج، علماً بأن النزاع فيها بين القبائل يقوم أصلاً على خلافات ثانوية حول مشكلات تتعلق بالزراعة والمراعي، وليس نزاعاً عرقياً أو إثنياً كما تصوره الجهات المغرضة في الداخل والخارج. وإن شعار اقتسام السلطة والثروة في السودان هو شعار خادع وبراق تكمن خلفه أهداف بعيدة، وبالتالي فإن تنفيذه يعني تكريس الانفصال. إنه شعار ظاهره العدالة، ولكن جوهره ينطوي على الاتجاه نحو تفتيت الدولة السودانية وتقسيمها. مع العلم بأن الاختلافات في اللون مثلاً موجودة في معظم شعوب الدنيا ودول العالم، كذلك فإن ما يروج له من حديث عن مواجهة مزعومة بين العروبة وإفريقيا هو حديث مصطنع ولا أساس له من الصحة، إذ إن الدماء اختلطت منذ قرون وامتزجت روح السودان في هوية مشتركة شكلت شخصية واحدة. إن تقسيم السودان لن يكون نهاية المطاف بل قد يكون بداية نزيف جديد يؤدي إلى صراعات طويلة، حيث يعيش في شمال السودان عدة ملايين من الجنوبيين في العاصمة وحولها، كما أن الجنوب يضم مئات الآلاف من أبناء الشمال، في وقت تبقى فيه مشكلة دارفور سيفاً مسلطاً على رقبة الحكومة السودانية تجر عليها دعاوى المحكمة الجنائية وأطماع القوى الأجنبية. ولا تبدو إسرائيل بعيدة عما جرى ويجري في السودان، لأنها تسعى منذ وقت طويل إلى موضع قدم لها هناك يساعدها على تطويق مصر أكبر الدول العربية وأشدها خطراً عليها، إذا ما تعافى الجسد العربي وعادت مصر إلى أخذ دورها العربي الطبيعي، ويساعدها على التغلغل في إفريقيا أيضاً وتوسيع الهيمنة الإسرائيلية عليها تحت ذرائع متعددة وباطلة، إن دلائل متعددة تشير إلى أن وحدة السودان مهددة، وأن النزعات الانفصالية والترويج لتقسيم الدولة يزداد، والأسباب لكل هذا واضحة تماماً، وفي مقدمتها أو على رأسها التدخلات الأميركية والإسرائيلية التي لم تنقطع تحت ذرائع واهية لأن السودان هو بلد عربي كبير في إفريقيا هذا من جهة، وهو أيضاً يحتوي على مخزون كبير من الثروات الهائلة من جهة ثانية. كذلك فإن الشعب العربي في السودان هو شعب مثقف ومُسيَّس يعشق الحرية والديمقراطية. لكل هذه الأسباب تزداد التدخلات فيه لضرب وحدته الوطنية وتحويله إلى دويلات تسهل على القوى الخارجية الأجنبية عملية الهيمنة عليه ونهب ثرواته