توغل طابور من شاحنات الجيش في الشوارع الترابية في أم روابة التي كانت مدينة هادئة في قلب السودان وأصبحت قبل أيام جبهة جديدة في حرب الاستنزاف بين الحكومة والمتمردين. وقبل ستة أيام اقتحم مئات المسلحين المدينة وهم يطلقون الرصاص بشكل عشوائي ليقتلوا ما لا يقل عن 13 من المدنيين والجنود قبل أن ينسحبوا مع بدء تحليق الطائرات الحربية التابعة للحكومة. وبعد أسبوع هلل التجار والمتسوقون فرحا ولوحوا بعلامات النصر مع وصول التعزيزات الحكومية ومرورها أمام مباني لا يزال عليها آثار الهجوم. ورغم وصول التعزيزات عبر بعض المواطنين عن قلقهم. قال أحد التجار في المدينة لرويترز يوم الخميس "هذه أول مرة نتعرض فيها لهجوم كهذا... نريد الأمن." ورغم أن السودان يعاني منذ فترة طويلة من هجمات المتمردين إلا أن هناك سببين رئيسيين على الأقل يدفعان حكومة الخرطوم للتحرك بإجراءات محددة بعد هذا الهجوم. فمعظم الاضطرابات السابقة وقعت في أطراف البلاد النائية والقاحلة وليس في شمال كردفان التي تضم أم روابة وتشكل جزءا من قلب السودان التجاري ومحور نشاطه الزراعي وتربية الماشية وصناعة الصمغ العربي. السبب الثاني أن معظم الانتفاضات التي اندلعت في وقت سابق كانت تركز على العلاقات بين الحكومة ومتمردين يقاتلون بسبب مظالم يعانون منها في مناطقهم مثل إقليم دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. لكن الهجوم الأخير كان هجوما منسقا شنه أفراد من تلك الجماعات المتمردة التي تحارب معا تحت راية الجبهة الثورية السودانية التي تنطلق من برنامج يستهدف السودان كله. وهذا أول هجوم كبير إلى الآن تشنه الجماعة التي تضم مقاتلين تعهدوا بإسقاط الرئيس عمر حسن البشير وإنهاء ما يرون أنه سيطرة لنخبته على البلاد بأسرها وهو اتهام ينفيه. وقللت الحكومة في السابق من التهديد الذي يشكله المتمردون ووصفت منفذي الهجوم على أم روابة بأنهم "إرهابيون" يتخذون من المدنيين "دروعا بشرية". وقال دبلوماسيون ومحللون إن الهجوم على أم روابة كان محاولة على ما يبدو لإنهاك الجيش السوداني على خط للمعارك دائم التغير في مناطق السافانا والأدغال في السودان بدلا من محاولة السيطرة على أراض. وقال فيصل صالح وهو صحفي سوداني "يشعرون الآن أن القوات الحكومية ضعيفة وأنه يمكنهم ضربها في أي مكان." وقال مسؤولون إن الهجوم على أم روابة ثاني كبرى مدن ولاية شمال كردفان التي تقع على بعد 500 كيلومتر جنوبي العاصمة أكبر مما أشارت إليه التقارير من قبل. وقال مفتش الشرطة في أم روابة شريف فاضل إن المهاجمين جاءوا في 140 سيارة كل منها تقل ما بين أربعة وستة أشخاص. ومثل غيره من المسؤولين المحليين شدد فاضل على أن الوضع الآن تحت السيطرة. وقال إن 13 مدنيا وجنديا قتلوا حسب أول حصر رسمي للقتلى. وقال مسؤولون إن أربعة لاقوا حتفهم في مناطق أخرى هاجمها المتمردون. وقال آدم عبد الله الذي يرأس نقابة للعمال المحليين إن الحياة عادت لطبيعتها وأحسن في 48 ساعة. وأضاف أن الجيش انتشر في كل مكان وأن المدنيين يقفون مع الحكومة والجيش والسلطات. وقال هارون عبد الله مفوض الحكومة للمساعدات الإنسانية في جنوب كردفان في اتصال هاتفي إن حوالي 19 ألف شخص في ولايتي جنوب وشمال كردفان تأثروا أو نزحوا بسبب القتال الدائر منذ يوم السبت. وكانت الإجراءات الأمنية في أم روابة مشددة يوم الخميس. ووقفت شاحنات الجيش المزودة بمدافع رشاشة أمام المباني الحكومية. وعادت الحياة العادية تقريبا إلى الشوارع. وخارج المدينة تمت الاستعانة بمحول احتياطي في محطة الكهرباء الرئيسية بعد أن أحرق المهاجرون المحول القديم. وقال خالد عز الدين الذي كان يتحدث مرة أخرى في حضور مشرفي الحكومة "نحن سعداء لأن الكهرباء عادت والمتاجر فتحت... نطالب الحكومة بتوفير الأمن." رويترز أولف لايسنج : (إعداد أشرف راضي للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)