لا اعتقد أن إقرار الرئيس السوداني عمر البشير بنتائج استفتاء الجنوب وتسليمه برغبة الجنوبيين في الانفصال بشكل سلمي سيكون آخر المشوار الذي بدأه الغرب مع السودان. فكل النوايا الحسنة والطيبة التي أبداها الجانب السوداني تجاه قضية الجنوب وموافقته على اقتطاع ثلث أراضيه دون مقابل يذكر لن تمثل للغرب سوى دلالات على الرضوخ والتسليم بقوة السياسات الغربية التي اتبعت في السودان وربما تكون حافزاً لخطوات أخرى كثيرة تتخذ في الداخل السوداني أو في عموم المحيط العربي الذي لا اعتقد أنه استشعر مدى خطورة ضياع ذلك الجزء وتقلص مساحة أكبر دولة ومن ثم مساحة الوطن العربي الكبير على اعتبار أن الجنوب السوداني لن يكون عربياً ولا مسلماً بحسب كل الإفادات الواردة من هناك. يرجع البعض أسباب انفصال الجنوب إلى الخطأ الذي ارتكبته الحكومة السودانية في عام 2005م حينما وافقت بشكل كامل وغير مشروط على انفصال الجنوب بعد انقضاء المرحلة الانتقالية التي لم تكن كافية لتمكين الحكومة السودانية من احتواء الجنوب أو على أقل تقدير إقناع قادته بإيجابيات الوحدة وأخطار الانفصال التي لن تتكشف آثارها إلا بعد حين. من يذهب في هذا الاتجاه ويحمل الحكومة السودانية هذه النتيجة يمكن أن يكون مصيباً إلى حد ما إذا ما نظرنا في المزايا الكثيرة التي قدمتها الحكومة لمجموعة من المتمردين لم يكونوا يحلموا حتى بنصفها من دون أن تضع الحكومة في اعتبارها الظروف الصعبة التي تحيط بالسودان والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بمثل ذلك الاتفاق. السودان الذي وعد الجنوبيين في عام 2005 باحترام رأيهم في استفتاء 2011م لم يضع في اعتباره ضعف الموقف العربي الذي لو كان قوياً لما رأينا الآن دولة في الجنوب وأخرى في الشمال. فالمدة التي اتفق عليها لتقرير المصير لم تكن كافية لعمل شيء يذكر إذا ما قيست بحالة الوضع العربي الراهن الذي لا يعول عليه لا كورقة ضغط ولا دعم أمام التأييد اللامحدود الذي يلقاه الجنوبيون من جميع القوى الكبرى صاحبة فكرة الانفصال، وعليه فإن السودان لم يكن في يده بعد السنوات الخمس سوى التسليم بالنتيجة وعدم الاعتراض عليها بالرغم من الغصة الكبيرة التي سيحدثها الانفصال. لا مجال للتفكير الآن في مصير الجنوب الذي تحدد بالفعل، ولا مجال أيضاً للحديث عن مستقبل العلاقات بين السودان ودول الغرب التي حددت هي الأخرى وفق الأجندة المتفق عليها سلفاً بين تلك القوى والتي تنطوي على تفتيت ذلك البلد العملاق كخطوة أولى قبل الاتجاه إلى غيره من الجيران الذين لن يكونوا عصيين على التفتيت في تلك الأثناء على اعتبار أن لعبة الدومينو تعتمد على سقوط الحجر الأول الذي سيتولى إسقاط ما يليه من أحجار حتى وإن بلغ عددها بالآلاف. رفع السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وتحسين العلاقات معها لا يعني أن المخطط الأميركي في السودان توقف أو أعيد النظر فيه بعد تحقيق إنجاز انفصال الجنوب. فقائمة الأهداف الأميركية الطويلة في السودان والتي تأتي دارفور في مقدمتها لا يمكن أن تترك دون عمل يستوفي مخطط تجزئة السودان الذي سيجد نفسه عاجزاً من جديد أمام خيار انفصال دارفور إذا ما احتاج الأمر لاتفاقية على غرار اتفاقية نيفاشا ولسنوات خمس أو عشر تسفر في النهاية عن استفتاء لتقرير المصير الذي ليس لزاماً أن يأتي وفق رغبة سكان المنطقة وإنما يجب أن يكون مطابقاً للرؤى الأميركية الهادفة إلى تقسيم وتركيب جديد للعالم العربي والإسلامي يمكنه أن يوفر الأمن والأمان للدولة الصهيونية ويؤمن حقوق الأميركان والغرب في تلك البقاع التي مازالت ثرواتها محط أنظارهم ورهن إشارتهم وقوة سلاحهم. المصدر: الوطنالقطرية 12/2/2011