تابعت كما تابع الكثيرون من حول العالم ردود الأفعال الدولية و الأقوال التى تناثرت هنا و هناك عقب انهيار نظام حسني مبارك . بيد أن أبلغ تلك الردود بتقديري ما جاء على لسان الحكومة السورية ، التى قطعت فيه بأن هذه الثورة المصرية العارمة هى خروج على ثقافة كامب ديفيد . تلك الاتفاقية التى أخرجت مصر من المشهد العربي و الإسلامي و الدولي . لم يمض طويلاً على هذا التصريح السوري الباهظ حتى خرج علينا عسكر ما بعد الخامس و العشرين من يناير بتطمينات مفجعة فى هذا الصدد ، حيث قال بيانهم الرابع إن (مصر الجديدة) ملتزمة بكافة المعاهدات الدولية والإقليمية ، فى إشارة لالتزامه باتفاقية كامب ديفيد ! و فى المقابل لم ينتظر السيد نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية هو الآخر طويلاُ يعد هذا التصريح الشاهق حتى خرج الي الوسائط الإعلامية مرحباً بهذه الخطوة لمصرية الهائلة و الجريئة. لتعلموا أيها السادة الأماجد ان السيد طنطاوي الذى آلت إليه الثورة المصرية على طبق من ذهب كرئيس للمجلس العسكري ، هو بالكاد أحد رجال مبارك (رجال كامب ديفيد) و هو أحد الذين يفرضون حصاراً قاسياً منذ عقود على معابر رفح ! فالذي ربما لا يعرفه الكثيرون هو أن هؤلاء العسكر لا يزالون يرضعون و يسترزقون من(كامب ديفيد) فعلي الأقل ان هنالك مليار و ثلاثمائة مليون دولار هو عون أمريكي سنوي من البنتاجون الى الجيش المصري . ليس هذا فحسب ، بل إن الجيش العربي المصري الذى عبر بالأمة فى أكتوبر هو بالكاد الآن لا يتجاوز الأربعمائة و خمسين ألف مجند ، وربما تقتلك الدهشة إذا علمت ان الأجهزة الأمنية الداخلية والشرطة والمخبرات يتجاوز تعداها الثلاثة مليون مجند. هذا يعني أن (مصر مبارك) لقد أمنت شر ومكر اليهود و هى تحدث ما يشبه الانهيار فى الجيش المصري ، لكنها فى القابل راحت تتوقع ان يأيتها الخطر من الداخل ، من شعبها، فكل إمكانات النظام المصري قد سخرت لحماية النظام من الداخل ، على افتراض ان (الأخوان المسلمين) هم أكثر تهديداً من اليهود !! هكذا تمخضت الثورة المصرية فولدت (طنطاوي) أحد أقوي حراس اتفاقية (السلام الإسرائيلية المصرية) أحد حراس معابر رفح ، كما لو كانت ثورة الشارع المصري هى المطالبة بالمزيد من ترويض و تجيير الدور المصري . لقد كانت مصر دوماً بمثابة (تيرمومتر) لقياس درجات نبض الامة ، فلما كانت مصر تشهر سيفها فى وجه العدو الإسرائيلي ، ففي المقابل ان مئات الألوف من السيوف العربية كانت تشهر ، و يوم نكست مصر بيارقها وآلياتها و انتكست فكل سيوف العربية قد عادت الى أغمادها. بل إن الزعم بأن حيثما تكون مصر تكون الأمة العربية و الإسلامية، فأرني أين تجلس مصر أخبرك فى المقابل اين تجلس الأمة، فقد غربت شمس الأمة يوم أن دخلت مصر فى عصر كسوف طويل. فيجب و الحال هذه ان تمارس ضغوط كبيرة على مجلس طنطاوي العسكري ، على ان الشعب المصري لم يخرج الى ميدان التحرير ويقدم الشهداء و الدماء لأجل تبديل عميل بعميل ، و تتعدد الأسماء و العمالة واحدة، لكن الشعب أراد إسقاط كل ثقافة النظام ! و رمزية ميدان التحرير نفسها تعني تحرير الأمة من كل القيود التى كبلتها على مدار عقود أزمة الانكسار العربي. و ثمة شئ آخر لم تعد هى رغبة الأخوان المسلمين وحدهم ، ولن تستطيع هذه الجماعة ان تحتكر التحرر و الإنعتاق ، فرغبة التحرر و الانطلاق هى رغبة كل الشعب ، وهذا الصوت صوت الشعب ،وهذا الشعب شعب مسلم. نقلا عن الأهرام 17/2/2011