في أخبار أول أمس الجمعة (18/2) أن السلطات المصرية طلبت، من حركات دارفور الموجودة في مصر مغادرة أراضيها فوراً، وإخلاء الشقق والمقرات التي تشغلها. القرار بهذا الوجه يعتبر قرارا مفتاحيا في توجهات ثورة 25 يناير المصرية. فقد كان مفهوما أن الثورة جاءت لتصحيح واستعدال اتجاهات السياسة المصرية. فقد بات معروفا أن النظام السابق حجم توجهات مصر ومراكز قيادتها في العالمين العربي والإسلامي، وبات دورها هامشيا حتى فتح ذلك الأبواب لجيران العالم العربي في إيران وتركيا أن يعملوا لملء الفراغ. في السياسة لا يمكن أن تبقى منطقة ما في العالم خالية من التوجهات. فالدولة أو المنطقة إذا أخليت من التوجهات، ايجابية كانت أو سلبية، فيجب أن تملأ بشكل ما. وقد أظهرت القضية الفلسطينية هذا الفراغ لدرجة عجزت فيه الأمة العربية عن تشكيل أي دعم ايجابي لفلسطين أمام الدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل. ليس هذا فحسب بل إن دولة صغيرة مثل قطر ما كانت تتقدم لتحل محل مصر في المبادرات العربية. ولكن لأن مصر ما قبل الثورة جمدت قواها القومية فلم تدعم القضايا العربية الملحة مثل قضية دارفور وقضية الصومال وقضية الصحراء في المغرب، بالإضافة للقضية الفلسطينية فأفسحت المجال للتدخلات العربية السلبية وللتدخلات الدولية. بالنسبة للسودان كانت خطوات قطر لوساطة بناءة في قضية دارفور فأنفقت من مالها وفكرها ودبلوماسيتها وصبرها الكثير حتى اعترف العالم كله بمنبر الدوحة كأهم منبر لحل قضية دارفور. النظام المصري السابق حاول أن يشوش على منبر الدوحة فاستضاف بعض الحركات المسلحة الدارفورية برغم احتجاجات السودان المتكررة، وهو بكل المقاييس كان عملا سلبيا ساعد على تعطيل مجرى الحلول الإيجابية. هذا جانب. الجانب الآخر أن ثورة 25 يناير ركزت كل همها على معالجة القضايا المحلية باعتبار أن الشعب ليس لديه اهتمام كبير إلا في قضايا محددة مثل القضية الفلسطينية. القضايا الأخرى، مثل قضية دارفور، لم تكتسب التركيز اللازم بالنسبة للمواطن المصري العادي، ولم يميز هذا المواطن بين السلبي والإيجابي بالنسبة لتدخل حكومته في قضية دارفور. وأي مراقب عام يعرف أن استضافة مصر لحركات دارفور المسلحة عمل سلبي لا يساعد على بلورة عنصر ايجابي يساعد على حل القضية. ركزت الثورة على المشاكل الداخلية لتكتسب القوة الدافعة للاستمرار. ركزت على الفساد والدكتاتورية ومعالجة مشاكل الفقر وإزالة الطبقات الحاكمة. باعتبار أنها أهم القضايا التي تثير المواطن العادي المسحوق الذي دعمها منذ اللحظة الأولى. وفي المقابل لم يتوقف بشكل واضح أمام القضايا الخارجية مثل قضية فلسطين والدور الأمريكي السلبي في المنطقة العربية ودعمه المباشر لإسرائيل وحمايتها في المحافل الدولية من أي حركة مناوئة من جيرانها. كذلك لم تنبه الأنظمة القابضة على شعوبها في المنطقة. وبعد .. إذن اللفتة الإيجابية المباشرة تجاه السودان لا شك ستقدر تقديرا كبيرا عند أهل السودان. فالعلاقات السودانية المصرية علاقات أزلية ولا يوجد لها شبيه في علاقات الجوار العربي. لكن الأهم أن هذه اللفتة لا تقف عند حدود العلاقات المصرية السودانية وأغلب الظن أنها ستكون البداية لترتيب علاقات مصر الخارجية. نقلاً عن صحيفة الرائد 20/2/2011م