يصف القذافي نفسه ويوصف لدى مؤيديه، بأنه مفجر عصر الجماهير، وصانع النظام الجماهيري في العالم، الذي يعني ببساطة، انتهاء عهد الحكومات والبرلمانات، وانتزاع الجماهير لحقها وحكم نفسها بنفسها عبر المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية، والتعبير عن إرادتها كما تريد... وألا سيد عليها ولا حاكم ولا رئيس، وحتى القوى الأمنية والجيش والشرطة كلها أدوات المجتمع الجماهيري، فالجيش يُسمى الشعب المسلح والأمن هو الأمن الشعبي والشرطة هي شرطة الشعب، وصاغ القذافي النظام السياسي عبر نظريته الفوضوية وتفسيراتها ومقولاتها في الكتاب الاخضر المربك لقارئه الغامض في هدفه المحير في خلاصاته. ولسنا بحاجة لشرح الخطل والجنون الذي يجري الآن في ليبيا الذي تجاوز كل حد، ولا يمكن تصوره ولا تخيله من قتل وتدمير وقصف بالطائرات للمتظاهرين والمواكب السلمية والأشلاء والجثث وأنهار الدماء. نحن أمام نظام مخبول مسعور يقتل شعبه بالطائرات، ويستجلب مرتزقة من دول إفريقية وعناصر مسلحة من دول جوار مثل حركة العدل والمساواة السودانية، ومرتزقة من نفايات المافيا الإيطالية وسط سمع وبصر العالم. يجب معرفة لماذا كل هذا في ليبيا.. منذ تسلم العقيد معمر القذافي السلطة في ليبيا في 1/9/1969م بمباركة أمريكية وأوروبية، حدث انحدار هائل في ليبيا، ومارس النظام خلال «42» عاماً كل صنوف القهر والتسلط والسحل والقتل الجماعي وتدجين الشعب الليبي، واستطاع النظام خلال أربعة عقود قمع الشعب وتصفية قياداته ورموزه وتشريد بعضها للمهاجر المختلفة، ونشأ نظام أمني وقهر رهيب قوامه سيطرة القذافي وعشيرته على كل مفاصل السلطة، وتم تكوين أجهزة أمنية وكتائب عسكرية خاصة وعلاقات متشابكة من التنظيمات والتشكيلات المسلحة وفق لعبة التوازنات والتحالفات القبلية التي أتاحت للنظام الحاكم التحكم في الشعب وتفريقه وتشتيته وتمزيق الثقة بينه، وكتم أنفاسه ونهب ثروته. ويقوم النظام الليبي بقيادة القذافي على منظومة معقدة من الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يقودها أقاربه وأبناؤه وأصهاره والمتحالفون معه والمؤلهون له ولزعامته، ولا توجد رحمة ولا عطف ولا عاطفة إنسانية لدى هذه الأجهزة التي تحترف أبشع أنواع القتل والتعذيب وسرقة مال الشعب الليبي. ولا توجد سلطة ولا قرار ولا جهة تستطيع فعل شيء دونه هو أو تتعارض مع مشيئته ورغبته. وأدخل القذافي ليبيا خلال سنوات حكمه في متاهة من الطيش السياسي، بتدخلاته في كل قضية معقدة في الدنيا عكست نرجسيته السياسية وتكوينه النفسي في إطلاقه على ذاته لقب القائد الأممي أو ملك ملوك إفريقيا وغيرها من غرائب الألقاب، وجلب ذلك للشعب الليبي العداوات والحصار الذي امتد من 1992م حتى 2000م، على خلفية قضية لوكربي التي عُرفت باعتبارها واحدة من عمليات الإرهاب الدولي. وفرض القذافي خلال السنوات الأخيرة وحتى هذا اليوم الذي ثار فيه بركان الشعب الليبي، أبناءه بوصفهم امتدادات سياسية سلطوية له في التحكم في رقاب الشعب الليبي، ولا توجد سلطة إلا لديه وأبنائه في السلطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، فهو وأسرته يسيطرون على كل شيء في ليبيا، ولا يوجد أحد غيرهم له الحق في رفع حجر عن الأرض، ومن ورائهم العشيرة والقبيلة. وما يحدث الآن في ليبيا عقب اندلاع الثورة وتداعياتها والعمل الوحشي الفظيع الذي يقوم به نظام القذافي والمجازر التي يرتكبها ضد شعبه بعد تهديدات ابنه سيف الإسلام أمس، هو الدليل الدامغ على أن هذا النظام هو صنيعة غربية تخدم أهدافاً صهيونية في المنطقة، وأية مراجعة عميقة ودقيقة تثبت أن كل خطوات النظام خلال أربعين عاماً كانت لصالح إسرائيل وفي مصلحة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وهذا ما يبرر الصمت الدولي إزاء ما يجري في ليبيا الآن حتى ليل أمس، حيث يقصف الطيران الحربي الليبي العاصمة طرابلس، وتستباح من كل اتجاهاتها، ويُعاث فيها الفساد عبر المرتزقة المستجلبين من دول أفريقية. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 22/2/2011م