لا اعتقد ان فضاءات السياسة والثقافة والابداع تركت ما نضيفه للترحيب بالشيخة المياسة آل ثاني رئيس مجلس امناء هيئة متاحف قطر والشيخ حسن بن علي آل ثاني والسيد عبدالله النجار مدير عام هيئة المتاحف والتي حلت ضيفة على السودان واحسب ان التقاء النيل الابيض والازرق عند شارع النيل الاكثر شهرة وإن امعنت النظر لصفحته لرأت تعانقا رشيقا لايختلف عن العلاقات الحميمة بين الدوحةوالخرطوم ونسائم الربيع لفحت الامكنة بشذاها ترحيبا ببشارات الزيارة وتفاولا بعمل مشترك يلاقح الثقافة بالتراث بالاقتصاد. * بدون كبير جهد يمكن للكثيرين التعرف على العلاقة المتطورة بين السودان ودولة قطر التي ظلت مساندا قويا لمواقف الخرطوم ودعم جهودها في المسارات السياسية والاقتصادية وفي اروقة منظمات الاممالمتحدة وعند مفاصل القرارات الجوهرية اقليميا وعالميا وايادي بيضاء تمددت عند المحن وليس ادل من الثقة الكبيرة التي اولت لقطر بتفويض افريقي عربي دولي لحمل كامل ملف سلام دارفور هذا المشكل العصي والمتشعب وظلت القيادة القطرية وبكل ثقلها السياسي والاقتصادي والمعرفي تمسك به وباريحية وتسير في الدروب الوعرة لفكفكته لصالح استقرار وامن انسانه وترسيخا للقيم الانسانية النبيلة التي تؤمن بها. * وحينما تحل " المياسة " على الخرطوم ضيفة عزيزة مكرمة وهي تمسك بمفصل الثقافة والمعرفة من بوابات التراث " توثيقه واحياءه " فان من حق صفحات مياه النيل ان تنحني تقديرا وتنثر حبيبات الماء المتدفقة تفاؤلا بنتائج ايجابية مرتقبة في مجال ظل مهملا ويحقق خسائر كبيرة على الصعيد الوطني والعالمي والانساني. * ان السودان ظلت خيراته دفينة بباطن ارضه وبين جنباته بارث تاريخي حضاري انساني لم يجد حظه الكامل من الاستكشاف ونفض الغبار عن الكنوز التي تشكل تاريخا عريقا وامجادا لحضارة مضمورة ابجدياتها في باطن الارض بكامل اسرارها او هي جاسمة على سطحه وعملت يد الاهمال وعوامل الطبيعة والتعرية على طمس معالمها وكما وصفتها صحيفة الديلي تلغراف ان شمال السودان منجم ذهب لعلماء الاثار والتي كان يمكن ان تحدث العالم عن تلك الحقب المهمة الفانية من تاريخ البشرية وترفد الاقتصاد الوطني عن طريق السياحة والبعثات العلمية. * ضمن اهتماماتي زرت منطقة " دنقلا العجوز " اكثر من مرة التي تحتضن حضارة قيمة وكنوزا تراثية منذ ان كانت عاصمة لدولة المقرة المسيحية " التسعة وتسعين بنية " تشابه الاهرامات المصرية لكنها اقل حجما ومسجد دنقلا الاثر " قصر الحاكم النوبي او الكنيسة تحولت لمسجد ويقال انه المسجد الاول مع بدايات دخول الاسلام للسودان وعلق على احدى حيطانه حجر من الرخام الابيض كتب عليه اتفاقية " البقط " وكثير احاديث يرددها اهالي قرية " الغدار " انه المسجد الذي بناه الصحابي عبدالله بن ابي السرح رضي الله عنه. * في احدى زياراتي تصادفت مع وفد سياحي من سيدات اسبانيات حضرن من مدينة مدريد " اندلس العرب المفقود " لزيارة الاثار التاريخية باعتبارها المعلم النوبي الوحيد في العالم الذي ظل شامخا يصارع الرياح والعواصف والزحف الصحراوي والاهمال وهي نفس القرية التي انجبت شيخ الاسلام " ساتي ماجد " الذي أدخل الاسلام لامريكا ونحتفظ بكتاب عن سيرته وما زال مسجده بمدينة دوتريت الامريكية تقام به الصلوات وبعض الاهالي يعتقدون ان النبي المصطفى زار تلك البقعة لذلك يطلقون على المسجد " الاثر " وجمعت الكثير من رؤوس المواضيع عن تلك الآثار واستكملتها من وزارة السياحة والاثار السودانية وبكتابات موثقة وبتكلفة صيانتها إلا ان قصر ذات اليد حالت دون ذلك. * الولاية الشمالية ونهر النيل تختزن الكثير من الاثار إن تم اكتشافها علميا وتسويقها لفتحت صفحات مهمة من تاريخ الحضارة الانسانية ان السودان " ظالم او مظلوم " ظلت غالبية قدراته الثقافية والبشرية مجهولة او مهملة ولم يكشف عن مكنوناتها وقيمتها بسبب تداخل الاولويات التنموية والحروب الاهلية التي لعبت دورا في ايقاف عجلة النماء وتشويه صورته النازعة للطمأنينة والمتصالحة مع الذات حد الغشاوة. * نرحب بالشيخة المياسة ووفدها الرفيع في وطنها الثاني السودان المتطلع لمزيد من علاقات التواصل الحميم والعمل المشترك لما فيه خير الشعبين وبما يخدم البشرية جميعا. همسة: ان نفض الغبار عن الآثار التاريخية السودانية تتغير الكثير من المفاهيم والثوابت في عوالم مجهولة. المصدر: الشرق 28/2/2011