تباطأ البلَدان السودان ومصر فى السعي لتكملة المسافة الكلية لخط قناة جونقلي البالغ 360كلم من فم السوباط و حتى بور ، و تعيش فى هذه المنطقة قبائل رئيسية لم يبذلا ايضاً قصاري جهدهما لإقناع الراحل د. جون قرنق باستئناف الحفر فى الجزء المتبقي من قناة جونقلي و بعد التوقيع على نيفاشا علماً بأن الحفر توقف عند الكيلو 260 من طول القناة بالقرب من مركز(كونقر) مسقط رأس الراحل قرنق التى تبعد مائة كيلو فقط ، وعندما أوقفت الآليات القتالية للقوات المسلحة السودانية و قطع الطريق الممهد ، وعند الكيلو 26انسحبت الشركة المنفذة للحفر بعد تهديد قرنق لها حتى لا تتمكن القوات المسلحة من ضرب معاقل الحركة فى منطقة القناة الاستراتيجية ، منطقة انتشار فروع قبيلة دينكا بور التى ينحدر منها الراحل ، استمرت الماكينة العملاقة الألمانية الصنع فى حفر خط القناة وأحدثت طريقين على ضفتيّ القناة ،الطريقان صالحان للنقل البري و حركة المركبات طوال أيام السنة حتى فى فصل الإمطار ، علماً بأن الطريق القديم بين ملكال و جوبا لا يصلح لحركة الآليات و الشاحنات و المركبات وفى موسم الأمطار. نعم تقاعس البلدان عن مواصلة تكملة الجزء المتبقي من القناة الذي يبلغ حوالي مائة كلم التى ظهرت آثاره الآن فى الجدل الدائر بين دول حوض النيل و مزايدات دول المنبع على دولتي المصب ، و أصرت الاولي على إعادة النظر فى الاتفاقيات التاريخية لحصص المياه، ولذا فان عدم استكمال العمل بمشروع جونقلي الذى توقف فى 1983 أعطي فرصة ذهبية للمطامع الإسرائيلية والتدخلات الخارجية لتبعث بملف المياه ، و حرضت اسرائيل دول المنبع لممارسة ضغوط على مصر و السودان، بالإضافة الى تزايد الأطماع الاسرائيلية للمياه العذبة، هذه الاطماع ظهرت بوضوح عندما كثفت اسرائيل نشاطها بمنطقة البحيرات بغية توصيل المياه لقلب اسرائيل عن طريق صحراء سيناء بمصر . مشروع قناة جونقلي يعتبر من المشروعات العملاقة و يعد اكبر مشروع مائي فى القارة الافريقية متعدد الفوائد بالنسبة للاقليم الجنوبي اولاً ، بل سيوفر أراض صالحة و خصبة للزارعة بخلاف الاستفادة من مساحات الأراضي الى تغطيها المياه دون استغلالها ، و كميات كبيرة من المياه الضائعة بمنطقة المستنقعات او بفعل التبخر السنوي ، هذه المياه ستأخذ سبيلها لتدخل مجري القناة بالإضافة الى أهمّ الفوائد و هى كميات مياه القناة التى ستوفر لمصر و السودان الملاين من الأمتار المكعبة من المياه التى من المحتمل ان تفي بحاجة السودان و مصر للمشروعات الزارعية و المائية الكبري . فوائد القناة متعددة فيما يخص بإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسكان القاطنين على طول خطا لقناة ، مع توفير خدمات ضرورية وتعليمية و بيطرية و أسواق ماشية لتغيير نمط الحياة كلية بالنسبة للشقيقة مصر المستفيد الاول من كميات المياه التى ستجري فى القناة باعتبارها تحتاج لكميات اكبر نسبة لحجم مشرعاتها الزراعية و المائية ، وبالنظر الى الزيادة المضطردة لعدد سكانها الذى وصل الى 80 مليون نسمة تقريباً تغافلت مصر ايضاً عن الضغط علي الراحل قرنق فى فترة قبل اتفاق نيفاشا و بعد التوقيع عليه لتكملة الجزء المتبقي من القناة و لم تستغل علاقاتها الطيبة معه عندما كان جزءاً من المعارضة السودانية و ذراعها العسكري ، وعندما كانت القاهرة مقراً للمعارضة بعد مجيئ الإنقاذ ، لكن الآن نجد رابطة دولة الحوض حين تعرضت الى هزة انقسمت دول حوض النيل وأصبحت مصر و السودان فى جانب ودول المنبع فى جانب آخر ، وأحدث ذلك هوة واسعة بين الجانبين ، و الواقع ان هناك جهوداً تبذل من جانب السودان مع كافة دول الحوض للوصول الى اتفاق مرض للجميع بتقسيم حصة المياه حسب الاحتياجات الفعلية لكل دولة من دل حصا لنيل ، مع الاحتفاظ بالحقوق التاريخية. عموماً ، و بالرغم من الجدل الدائر و الحار المحتدم والمفاوضات الساخنة بين دول المنبع والمصب ، يبدو ان الوصول لصيغة توافقية بين الأطراف ليس سهلاً لاختلاف جوهري فى وجهات النظر خاصة بعد اكتشاف أياد سوداء تعبث بملف المياه.. و ان اللوبي الصهيوني فى محاولة دائمة لتوسيع شقة الخلاف بين الجانبين. السؤال الذى يحتاج الى إجابة حاسمة هو هل تفكر مصر بكل جدية فى إقناع القيادات الجنوبية واستغلال علاقاتها الطيبة مع حكومة الجنوب و القيادات الجنوبية لاستئناف حفر المتبقي من القناة ؟ أما من ناحية السودان ليس هناك اى تردد فى تأييد ومساندة الاتجاه الرامي لتكملة خط لقناة لثقته فى ان سريان المياه فى القناة سيجلب الخير الوفير للشقيقة مصر أولا وسيجعل السجالات و عملية الشد و الجذب الموجودة الآن بيد دول الحوض لا فائدة منها ، علماً بأن مياه القناة هى أساس كميات ضائعة فى منطقة السدود والمستنقعات و كميات أخري لا يُستفاد منها بسبب التبخر و عوامل التعرية، وبما ان حفر الجزء المتبقي تكاليفه باهظة ويحتاج الى تمويل من مؤسسات كبري مالية لكن مصر و السودان لن يعجزا عن توفير المال اللازم من مصادر و موارد أخري. لأن إتمام الحفر أصبح تحتمه الضرورة ، حيث انه سيغير مفاهيم كثيرة فى ملف المياه لدول حوض النيل . نقلا عن آخر لحظة 1/3/2011