على مدى ساعة ونيف قدمت السيدة عابدة المهدى محاضرة قيمة وشاملة وعميقة باللغة الأنجليزية حول قضية التعاون الأقتصادى بين الشمال والجنوب عقب انفصال الجنوب وذلك فى الندوة التى نظمتها أمس المنظمة الوطنية لدعم الوحدة الوطنية بقاعة اتحاد اصحاب العمل وترأس الجلسة الأقتصادى القدير وزير المالية الأسبق السيد ابراهيم منعم منصور. لن أستطيع فى هذا العمود استعراض ما جاء فى المحاضرة والتعقيات التى تلتها وعلى رأسها التعقيب المطول لدكتور صابر محمد حسن وأرجو أن تتمكن الصحف التى حضرت من تلخيصها لأهميتها. تحدثت الأستاذة عابدة حديث العالم الخبير عن أثر انفصال الجنوب على اقتصاد الشمال خاصة على النقد الأجنبى، وعلى ميزانية الشمال،ثم عرجت على قضية التعاون الأقتصادى بين دولتى الشمال والجنوب خاصة فى قطاع النفط حيث أن معظم انتاج النفط يوجد فى الجنوب وصناعته وتصديره يتم عبر الشمال وأكدت أنه لابد من اتباع منهج (الكسب للجميع) win-win position. وتحدثت عن أهمية التعاون بين الدولتين فى السياسات النقدية وأكدت على أهمية وجود اتفاقية لأتحاد نقدى على الأقل لفترة انتقالية حتى لا يتضرر الأقتصادان الشمالى والجنوبى. ولم تنسى السيدة عابدة الحديث حول موضوع الديون الخارجية التى وصلت لحوالى ستة وثلاثين مليار دولار مستعرضة عدة تجارب اقليمية ودولية لدول انفصلت عن بعضها وان كنت أود أن تسهب فى تجربة تشيكوسلوفاكيا التى تعتبر من أفضل التجارب.وتحدثت عن أهمية التجارة عبر حدود الشمال والجنوب المرتقبة والتى تمر عبر منطقة واسعة من حزام وولايات التمازج وليس (التماس) كما جاء فى التوصية التى قدمت كما ذكرت ذلك للسيد كمال مقدمها. لعل أهم ما أوردته السيدة عابدة فى ختام محاضرتها – وأنا أؤيدها تماما فى ذلك- قولها بأهمية الجانب السياسى باعتبار أن الثقة والمناخ والتفاهم السياسى الذى يظلل العلاقة بين الشمال والجنوب أثناء و بعد فترة الأنتقال نحو الأنفصال التام سيؤثر حتما على كل جوانب التعاون الأقتصادى. ومصدر توافقى معها على ذلك تعريف الأقتصاد نفسه لدى كثير من العلماء فالأقتصاد هو علم البدائل وهذه تتداخل فيها عدة عوامل وعلى رأسها السياسة الداخلية بين الطرفين بل العنصر الخارجى الذى لا يمكن تجاهله والذى وددت لو أفردت له حيزا أكبر لأهميته خاصة فى الديون. وكما يقول علماء الأقتصاد أيضا يمكن أن تتحقق مقاصد التعاون الأقتصادى (اذا بقى كل شئ على حاله) if other things remain the sameفهل بقى كل شئ على حاله؟ مجرد سؤال. أتفق مع السيدة عابدة أنه اذا وجدت ارادة سياسية حقيقية لتحقيق التعاون الأقتصادى بين الدولتين واستطاعا بناء وتعزيز الثقة بينهما ومع القوى الأخرى فيمكن أن يتحقق التعاون بشكل سلس ومثمر والعكس صحيح، وأقول اذا استمر هذا التراشق والتصريحات المتبادلة غير المسئولة والأتهامات المتبادلة من متطرفى الجانبين- وللأسف هما يمسكان و يديران ملف العلاقات- وأسأل هل يمكن لتعاون اقتصادى أن يتحقق وبعضهم يتاجر ويستثمر فى الكراهية ويمارس الأستعلاء السياسى والعرقى والثقافى والدولة ساكتة عن ذلك، وهل يتحقق التعاون فى ظل اتهامات متبادلة بمساندة الطرف الآخر لأعدائه؟ اذا كان لى من اقتراح للمنظمة الوطنية أرجو أن تتحول لمنظمة لدعم الكونفدرالية بعد أن فشلنا فى الوحدة ولنحاول الكونفدرالية لمدة عشر سنوات لعلها تساهم فى استمرار الحوار المنتج والتعاون وتعيد الثقة داخل الدولة الواحدة فاذا فشلنا ثانية فللجنوبين حق الأنفصال وفق الأستفتاء المعترف به. نقلاً عن صحيفة السوداني 6/4/2011