سبق أن قلنا إن العلم الغزير والتجربة العميقة للسيد الصادق المهدي تجعل منه أحد القادة والفلاسفة الكبار، ليس على مستوى السودان وحده ولكن على مستوى العالم العربي والإفريقي بأكمله.. وقد سبق أن كتبت أن السيد الصادق يذكرني دائماً بالمهاتما غاندي، ذلك الفيلسوف والقائد والمفكر الذي قامت على يديه فكرة (المقاومة السلمية) وبعثت على يديه الديمقراطية في دولة الهند بعد الخلاص من الاستعمار البريطاني.. وربما جاءني هذا الانطباع من أن السيد الصادق تجمع بينه وبين المهاتما بعض أوجه الشبه في السحنة والسلوك وفي التسامح وفي الانجذاب المتصوف نحو الديمقراطية.. وإذا كنا قد اختلفنا مع الرجل في بعض التفاصيل وجنحنا سواء بوجه حق أو بغيره نحو نقده في بعض المواقف إلا أن ذلك لا يمنعنا إحقاقاً للحق من الإشارة إلى الجوانب الإيجابية في شخصية السيد الصادق والذي يمتاز أولاً بأنه ينظر إلى المواطنين السودانيين كلهم بنظرة أبوية تشبه صفات المهاتما غاندي، وهذا ما جعله بالطبع نائياً عن الاحتراب والصراع والعنف.. والصادق المهدي دائماً ما يحاول أن يبعد البلاد من بؤر الحرب والنزاعات ويجنح إلى الحوار السلمي والعاقل والهادئ.. صحيح أن هذا الحوار قد يطول بالدرجة التي تجعل الناس يملون ويستعجلون النتائج، خاصة عندما كان رئيساً للوزراء، ولكن ربما أن روح الديمقراطية المتأصلة في الرجل كانت تمنعه من اتخاذ القرارات الحاسمة والقاصمة والمتعجلة وهذا ما جعل الآخرين يعتقدون بضعفه أو يصفونه بالتردد.. وقد قلنا في مقالات سابقة إن السيد الصادق سيكون أكثر فائدة للبلاد إذا ما اتجه نحو تدريس علوم الفكر وقاد حركة التطوير والتغيير عن طريق نشر ثقافة الديمقراطية في كل المجتمع وربما أنه كان أكثر نجاحاً إذا ما أقام معهداً أو مركزاً لتعليم أسس القيادة الرشيدة وعلوم الديمقراطية والسياسة الجغرافية (جيوبولتكس) وثقافة وأصول الحكم.. وقد أوردت صحف الأمس خبراً عن السيد الصادق المهدي يقول في ملخصه إن الحديث عن إسقاط النظام السائد الآن في البلاد عبر المظاهرات يحتاج إلى تدبر لأن السودان ليس مثل مصر أو تونس، وعندما يقول الأمام إن الأمر يحتاج إلى "التدبر" فهذا يعني أن الوقت والظروف والملابسات والمعطيات التي تكتنف نظام الحكم الآن غير قابلة للاستجابة لأي تغيير سواء كان عن طريق الانقلاب العسكري أو كان عن طريق التظاهر في أبو جنزير أو في "الفيس بوك".. وسيد صادق يستدرك أيضاً أن الجيش السوداني الآن "مؤدلج" وربما أن كلمة مؤدلج هذه من إحدى تعابير السيد الصادق الذي اشتهر بابتكار العبارات والجمل الجديدة.. وكلمة مؤدلج كلمة إنجليزية مشتقة من (أيديولوجي) وتعني الفكر والتوجه.. وقد استعملت في اللغة العربية دون تعريف، على أن ما ذكره السيد الصادق يزيد من مرونة اللغة العربية في إضافة كلمات جديدة واشتقاقات متداولة في الشارع..! على كل حال ربما يريد سيد الصادق أن يقول إن الجيش السوداني وتركيبته الحالية سيكون إسلامي التوجه (زي الحكومة) ومؤدلج في هذا الاتجاه وبالطبع يظل ذلك أمراً مفروغاً منه باعتبار أنه (كيفما تكونون يولى عليكم) أو "كيفما يولى عليكم تكونون".. والقوم على دين ملوكهم..! ويبقى أن نتفق مع السيد الصادق فيما ذهب إليه من أن تركيبة نظام الحكم في السودان الآن تختلف عن البلاد العربية الأخرى ومن المستحيل أن يحدث بالسودان مثلما حدث بتونس ومصر.