لن تجد الحركة الشعبية الوقت الكافي و الهدوء المطلوب لتعيد قراءة المشهد الانتخابي الذى انتهي للتو فى ولاية جنوب كردفان . لقد كان يوم الجمعة الماضي يوماً صعباً على الحركة الشعبية حين بدأ يتضح لها – الآن فقط – أنها فقدت ولاية جنوب كردفان، ولهذا كان الأمر الملفت للنظر فى هذا المنحي ، أنها و عبر مراكز الدعاية المنتشرة هناك أطلقت شائعة فوز مرشحها عبد العزيز الحلو. الشائعات سرت كما النار فى الهشيم بين العامة و البسطاء – و هذا هو مربط الفرس فى الخطة- فقد أرادت الحركة الشعبية إستثارة هؤلاء و الإيحاء لهم ان (زعيمهم الحلو) قد فاز ، ولكن عدوهم الوطني أحبط الفوز بعمليات تزوير قام بها ، ومن ثم تندلع المواجهات والاشتباكات و تصبح الولاية موقداً مشتعلاً . و كما هو واضح فهي (طريقة افريقية) متداولة و معروفة عايشنا نموذجا لها فى ساحل العاج قبل أسابيع و قبله فى ليبيريا و الكونغو و غيرها . و يبدو – بالنسبة لجنوب كردفان أن الخطة لم تنجح ، فمفوضية الانتخابات قالت إنها هي الجهة الوحيدة التى على الجميع الاستماع لما تقول و هى التى تعلن النتائج الأولية و من ثم النتائج النهائية ، وفى الوقت نفسه فقد جري ضبط الأمور بحيث لا يتم الاحتفال بالفوز فى الشوارع و الأماكن العامة تجنباً للإصطدامات والاحتكاكات المحتملة. الحركة الشعبية معنية أكثر من غيرها بدراسة الأمر دراسة عميقة ، فهي من الأساس بنت كل حساباتها على وهم سياسي خاطئ مفاده أن المنطقة معقل من معاقلها ، هكذا دون قراءة المتغيرات و ما جري بشأن انفصال الجنوب و مدي ما قدمته لأهل المنطقة من خدمات . والخطأ الأكبر الذى وقعت فيه الحركة أنها حاولت (إعطاء خصوصية) للمنطقة شبيه بخصوصية الجنوب، وهو ما ظل يبشر به ياسر عرمان بمقولة الجنوبيين الجدد . فى حين ان الولاية ولاية تمازج و تعدد أثني ما بين العرب و النوبة و بعض الاثنيات السودانية الاخري بحيث يستحيل تصنيفها كولاية خاصة باثنية معينة و مواصفات محددة. الحركة الشعبية ايضاً اعتقدت أنها (لابُد لا أن تفوز) حتى (تكبر) فى عين الحركة الأم ؛ هذا خطأ جوهري إذ أن الحركة الأم لم تعد مهتمة بالحركة الابنة فى الشمال إلا بقدر مصالحها هى ، فهي اختارت الانفصال دون ان تضع اى اعتبار لمنسوبيها فى الشمال او ما سوف يكون عليه حالهم مستقبلاً . لقد تركتهم لمصيرهم ، فهي باتت مسئولة عن إقليم إذا استطاعت التغلب على مشاكله التى لا تحصي فتلك معجزة ، فكيف لها أن تهتم بولاية شمالية ليست بها إثنية جنوبية؟ لقد كانت النتائج الأولية لما جري فى جنوب كردفان مؤشر ضروري للحركة الشعبية لتعيد النظر فى مواقفها و أطروحاتها فالسياسة هى فن الممكن و فن الواقع و ليست مجرد أحلام و أمنيات ليس لها أرجل !