ربما كانت للحكومة السودانية أسبابها وأدلتها المادية الملموسة على ما درجت بوصفه عدم حيادية ونزاهة قوات البعثة المشتركة المعروفة اختصاراً باليوناميد و المكلفة بحفظ السلام فى دارفور ، فكثيراً ما تناقلت الصحف ووسائل الإعلام السودانية ما يمكن وصفها ب(حوادث غريبة و مريبة) تتعلق بهذه القوات مما رسخ من فرضية الاشتباه بكونها تساند وتدعم أطرافاً متمردة فى دارفور . و لعل فرضية مساندة قوات اليوناميد لبعض الحركات المتمردة – وإن لم تتناولها السلطات السودانية بصورة رسمية على الاقل حتى الآن - إلاّ ان هنالك فى الواقع شواهداً و أدلة مادية واضحة تشير الى ضلوع هذه القوات فى دعم بعض المتمردين بما يخالف كلية الدور الذي أتت من أجله و نطاق التفويض الممنوح لها. وبالطبع فان للحكومة السودانية فى هذا الصدد حساباتها السياسية و تقديراتها الأمنية والسيادية و لكننا كمراقبين لمسنا (عن كثب) ما يمكن ان يقدح حقيقة فى نزاهة هذه القوات وهو أمر على اية حال ليس بالجديد وكان متوقعاً ، ومن المؤكد ان رفض الحكومة السودانية - منذ البداية - لمجيء هذه القوات الى الاقليم كان ينطلق من هذه الفرضية . فمن جانب أول كلنا يذكر كيف أن هذه القوات فى العام السابق 2010 و تحديداً فى مطلع ابريل من ذلك العام قامت بمهمة إدارية الى منطقة جبل مرة متخذة طريق (كاس) وهو طريق يبدأ من كاس و ينتهي بمنطقة تدعي (كارا) وكان الأمر المستغرب حقاً ان قوة اليوناميد التقت بعض قادة حركة عبد الواحد أشارت الأنباء وقتها الى بعضهم مثل (صيام تانكودي) و (اسحق كور) . أسفر هذا اللقاء علي غرابته عن تقديم دعم من اليوناميد لهذين القائدين عبارة عن حوالي 48 بندقية آلية و16 رشاش و 13 جهاز اتصال حديث بخلاف ما يجاوز ال30 صندوق ذخيرة! و للتغطية على الموضوع فان قوات اليوناميد ادعت انها تعرضت لكمين من حركة عبد الواحد واختطفت الحركة عرباتها تاركة لها عربتان فقط ! و كانت تلك القصة - كما تابعناها حينها و تابعتها الصحف المختلفة - مثار تندر واستغراب لأنها لم تكن أبداً تتسم بأى قدر من المنطق فلا وقع اصطدام نتج عنه قتلي أو جرحي ولا حدث عراك و لا أى شئ من هذا القبيل . فى مطلع هذا العام 2011 قامت اليوناميد بجولة مماثلة فى منطقة الجبل مرة أخري - بغرض الاستطلاع حسبما تقول فى تقاريرها - وكان الأمر الغريب هذه المرة و بدلاً من عملية الاستطلاع المزعومة أجرت لقاءات مع سكان مناطق (داوس) و (ليمو) و تحدثت معهم حول الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم و المياه) واعدة إياهم بتقديمها لهم ! و فى ابريل 2011 كررت البعثة ذات ما فعلته فى العام السابق حيث اتخذت ذات طريق كاس و مضت حتى (كارا) و بحوزتهم 14 عربة لاندكروزر وأعادوا الالتقاء بالقائدين السابقين لحركة عبد الواحد (اسحق كور) ورفيقه و بعض القادة الآخرين وهذه المرة ارتفعت عدد البنادق الآلية التى سلمتها لهم الى 150 كلاشنكوف و 25 رشاش و80 صندوق ذخيرة إضافة الى مبالغ مالية معتبرة . هذا الدعم – لسوء حظ اليوناميد – تحدث عنه شهود عيان لا حصر لهم و تحدث عنه بعض قادة حركة عبد الواحد ، وقد أيقنا نحن كمراقبين ان الأمر مخطط له بعناية وان العديد من هذه القوات مرتبطة (بجهات استخبارية دولية بعينها) مما يجعل من قوات اليوناميد عدواً للدولة السودانية و مساهماً رئيسياً فى زعزعة أمنه واستقراره بدلاً من القيام بمهمة حفظا لسلام . تري ماذا تقول الحكومة السودانية إزاء هذه الوقائع المثبتة و المتكررة وماذا هى فاعلة حيال مهدد أمني خطير كهذا يجري على أراضيها؟