تحليل سياسي كان متاحاً منذ العام 2006 لقادة التمرد فى دارفور طيّ صفحة النزاع الدامي والدخول فى اتفاقية أبوجا التى وقَّع عليها فصيل مناوي وحده وقتها فى الخامس من مايو 2006م. وحتى هذه اللحظة لا يملك اى مراقب او محلل سياسي متابع لشأن الدارفوري إلاّ أن يحزن و يتحسر على الفرصة الغالية التى أضاعها متمردوا دارفور فى ذلك الوقت، خاصة وان ابوجا جاءت تالية لنيفاشا 2005 ، وكان بإمكان القادة الدارفوريين اللعب فى المعلب السياسي السلمي بمهارة من المؤكد أنها كانت ستقودهم – طوال السنوات الخمس الماضية – الى وضع أفضل؛ ففي علم السياسة عموماً فان عنصر الوقت و السنوات عنصر مهم و عامل شديد الأثر . لقد استكنف كل من عبد الواحد محمد نور و الدكتور خليل عن الدخول فى العملية السلمية و وقتها كانوا يملكون القوة والدعم الإقليمي والدولي. و الآن جاء عليهم حين من الدهر وقد تبدلت الأحوال وجرت مياه كثيرة تحت الجسر . فعبد الواحد ارتبط بإسرائيل (استخبارياً) و ليس سياسياً و الفارق شاسع بين الاثنين ، فقد استغلت اسرائيل اندفاعه و تهوره و فقدانه للقيم الوطنية المتينة و جعلت منه (عنصر استخباري) وصل الى حد فتح مكتب فى قلب الكيان الإسرائيلي وتلقي أموال مباشرة. ما فعله عبد الواحد لم يسبقه عليه أحد ، فهو (جاهر) بعملاته لإسرائيل لأن الدولة العبرية ما تعودت على التحالفات السياسية حتى مع الولاياتالمتحدة ؛ هى تتحالف فقط مع مصالحها وتستخدم من تري أنه يمكن ان يحقق لها مصالحها استخداماً استخبارياً ، ولسوء حظ عبد الواحد أنه حتى ولو وصل الى السلطة فى دارفور عبر توافق او تسوية سياسية- وهذا بات أمراً صعباً جداً أو مستحيلاً - فهو (مدين) بفواتير إسرائيلية شاقة السداد ، وكما أن لسوء حظ مناوي انه – و فى الوقت بدل الضائع كما يقول محبي كرة القدم ، انساق لعبد الواحد ومن ثم (تساوي معه) فى العمالة لإسرائيل وأصبح الاثنين - مناوي و عبد الواحد - أيادي لإسرائيل و ليس قادة وطنيين لدارفور و كان من الطبيعي إزاء ذلك أن (يتجاوزهم) ملتقي أهل المصلحة فى دارفور وتتضاءل فرص التفاوض معهم ، وكل ما مرَّ الوقت إزدادت فرص التلاشي و التضاؤل بحيث أصبح غياب هؤلاء القادة واندثارهم (مسألة وقت). الدكتور خليل ليس بأفضل منهم فهو الآخر غاص فى الصحراء الليبية و صار (مديناً) كذلك للثوار الليبيين و ربما محكمة الجنايات الدولية ، فقد ساقه سوء حظه الى طرابلس طمعاً فى الدعم و قيادة هجمات جديدة، فإذا بطرابلس نفسها تصبح هدفاً للثوار و يصبح قائدها العقيد القذافي مطلوباً لدي مواطنيه و لدي الجنايات الدولية. لقد أصبح اصدق وصف لهؤلاء القادة الدارفوريين أنهم خرجوا بالفعل من مولد دارفور ليس بغير حمص فقط كما يقول المثل السائر ، ولكن بديون سياسية و استخبارية مستحيلة السداد !