بذلت عدداً من مخابرات بعض الدول الغربية و معها الدولة العبرية جهداً بدا غريباً ومثيراً للدهشة حقاً بغرض تأمين وصول المتمرد الدارفوري عبد الواحد محمد نور الى جوبا (محمولاً) إليها من باريس! و بحسب ما توفر من أنباء مطلع الأسبوع هذا، فان أربعة أجهزة مخابرات، أمريكية و بريطانية و فرنسية إسرائيلية نفذت مهمة (نقل) المتمرد عبد الواحد من باريس الى جوبا. وهى أنباء تناولتها وكالات إعلامية عديدة و طابقتها مصادر متنوعة لمراقبين ، قالوا إن الفريق الذى أكملَ المهمة أرسل برقية شفرية فى نهايتها أوضح فيها ان ( الطرد قد وصل بسلام )! و فى الواقع لا نرغب هنا حيال هذه الحادثة المحيرة الحديث عن ضلوع قوي دولية بعينها فى تأجيج أزمة دارفور و محاولاتها المستميتة لإبقاء الأزمة و نارها متقدة ، فهذه مفروغ منها و لم تعد تشغل بالنا كثيراً ، ولكن ما يستلفت النظر بحق فى هذه القصة ، هو أنّ هذه الأجهزة المخابراتية نفذت عملية لا تستحق كل هذا الجهد و العناء، فالمتمرد عبد الواحد هو فى الأساس لم يكن يشغل بال أحد ، لا فى الحكومة المركزية فى الخرطوم و لا علي مستوي إقليم دارفور فضلاً عن أى بلد آخر لأنه ببساطة لا يملك قاعدة جماهيرية مؤثرة أو فاعلية سياسية او عسكرية على الأرض ، و بالطبع سوف يجتهد اى مراقب يستمع لهذه القصة لكي (يتذكر) عملية حربية مؤثرة قادها عبد الواحد ألقت بظلال كثيفة على الأوضاع فى دارفور ، فالعلاقة منبتّة أصلاً بين الرجل و الميدان، وهو غائب عنه منذ مؤتمر حسكنيتة الشهير فى فبراير 2005 حين فارقه رفيقه مناوي بالفصيل الأكبر و تركه لخيار اللجوء الى باريس و تل أبيب . الأمر الثاني و المهم و الذى أثبت جهل هذه الأجهزة المخابراتية الفاضح به هو أن الممارسة السياسية فى السودان ، حتى الممارسة التى يُستخدم فيها السلاح ليس من بينها ثقافة التصفيات و التربص و الاغتيال ، ولو كانت هذه الأجهزة تتوجس من الحكومة المركزية باعتبار ان عبد الواحد خصمها اللدود فإنها و حتى على مستوي خصومات الحركات المسلحة فى دارفور فإن أسلوب التصفيات غير موجود فى مواجهة بعضها بعضاً ، وحتى لو وُجد على مستوي المواجهات فان القادة و الزعماء لا يزالوا بعيدين جداً عن هذه الثقافة ، وبالطبع لو كانت الحكومة المركزية تعتمد عنصر التصفية هذا فان أحداً من هؤلاء المتمردين الدارفوريين ما كان سيكون على ظاهر الارض حتى الآن . و أخيراً فان تعامل هذه الأجهزة مع متمرد دارفوري شاب كهذا – بكل هذه الأهمية الاستخبارية – معناه ان الشاب الدارفوري بمثابة (كنز) ثمين لهذه الأجهزة المخابراتية هو تحت الاستخدام الأمثل لصالحها؛ كما يعني ان شاب توفَر له كل هذه الحماية الاستخبارية بهذا القدر هو معزول دون شك عن أهله ومن يستخدم معاناتهم ، والمعزول من المستحيل ان يصبح قائداً فى الغد ! وقد ثبت ان عبد الواحد ليست له من قيمة أو سعر صرف سياسي إلاّ بالقيمة الاستخبارية الدولية!