منذ التاسع من يناير الماضي حيث نظم استفتاء تقرير المصير لجنوب السودان وحتي الآن, قتل 1450 شخصاً وفقا لتقديرات الأممالمتحدة في موجة العنف التي شهدها الجنوب, بعد أن تمردت سبع مجموعات علي الأقل, وبدأت ومنذ أكثر من عام في خوض معارك عنيفة مع حكومة الجنوب وتتكرر المناوشات بين هذه الميليشيات والجيش الشعبي وفي احدي المعارك بفبراير قتل أكثر من 200 شخص. لا ينتهي الأمر عند هذا الحد, بل ان الصورة تزداد قتامه بفعل الاحتراب القبلي في بعض المناطق بسبب سرقة الأبقار لسداد المهور. مستنقع الأزمة مع إشراق شمس التاسع من يوليو القادم يرفرف علي الجنوب ويعزف السلام الجمهوري وتنظم الطوابير العسكرية علي شرف الدولة الجديدة, وسط مخاوف من أن يكون الجنوب دولة مأزومة ومصدر تهديد محتمل للمنطقة بالكامل, فحتي إذا استقرت علاقته بالشمال يقول محللون ان جنوب السودان قد يصبح مستنقعا غير قادر علي بدء التنمية في الوقت الذي يحاول فيه المقاتلون الذين تحولوا الي ساسة السيطرة علي المنطقة الشاسعة التي تزخر بالأسلحة. ويقول محلل الشؤون السودانية في معهد ريفت فالي ايدي توماس: لا يزال عدد من المخاطر موجودا في الجنوب. وأضاف: تحاول حركة تحرير أن تصبح حزبا سياسيا, المعارضة السياسية تصل في أحيان كثيرة الي حد استعداد الناس في المناطق النائية لاتخاذ إجراءات عنيفة . تقارير سرية وفي هذه الإثناء تشير بعض التقارير الي أن الجيش الشعبي يستهدف جماعات عرقية تمثل عشرة الجنرالات المنشقين وكشف موقع وكالة (سوشيتد برس) الإخباري أمس الأول حصوله علي تقارير سرية للأمم المتحدة تفيد باستهداف جنود الجيش الشعبي لجماعات عرقية منافسة وإطلاقهم النار علي المدنيين العزل بقري نائية علي ضفاف النيل وقتلهم وجرحهم للمئات من المدنيين العزل بما فيهم النساء والأطفال, وأضافت التقارير التي وصفت بأنها سرية وحساسة أن فريق الأمم الذي زار قرية (كالداك) عقب أحد عشر يوما من إحداث القتل في أواخر أبريل من العام الحالي تمكن من رؤية أكثر من (20) جثة في الوقت الذي تحصل فيه الفريق علي إفادات من شهود عيان بالمنطقة تفيد بمصرع (254) من المدنيين نتيجة تلك الهجمات ولكن لم يتم التحقق من الأرقام بشكل مؤكد, وأشارت التقارير الي أن جنود الجيش الشعبي هاجموا منطقة (كالداك) وتمكنوا من إحداث خسائر فادحة في الأرواح. أسلحة أمريكية وذكرت (أسوشيتد برس) أن تقارير الأممالمتحدة لم تحدد ما إذا كان الجنوب المتورطون في أحداث القتل بولاية جونقلي قد تلقوا تدريبا وزودوا بمعدات عسكرة من الولاياتالمتحدة أم لا, في إشارة للمعلومات التي أوردتها تقارير صادرة من مجموعة (سمول أرم) التي تدير أبحاثها بسويسرا العام الماضي قد أكدت تخصيص الولاياتالمتحدة لحوالي (150 – 300) مليون دولار لصالح الجيش الشعبي بجانب نظام للتدريب يركز علي تقديم المشورة للجيش الشعبي فيما يختص بإدارة العمليات والاستخبارات والاتصالات. وان كانت الإجابة علي ذلك السؤال من الصعوبة بمكان علي الوكالة الإخبارية الأمريكية وتقارير الأممالمتحدة الميدانية, إلا أنهم في المقابل حددوا بدقة الوحدة العسكرية التي نفذت ما وصف بالمذبحة, وقالت التقارير ان الوحدة العسكرية التي نفذت عمليات القتل بقيادة الجنرال جون كورج ونائبه جون جوانق قلواك. فى المقابل قال الناطق الرسمي للجيش الشعبي فليب أقوير فى حديثه ل(اسوشيتد برس) إن الاشتباكات المعنية أسفرت عن مصرع 165 شخصاً منهم 30 من المدنيين، لافتاً الى أن مقاتلي الجيش الشعبي كان بينهم نساء وأطفال بعضهم مسلحاً واستدرك قائلاً: إذا كان بين القتلى مدنيين فان ذلك كان نتيجة لتبادل إطلاق النار . الطرق الوحيد وكان فريق الأممالمتحدة قد استقل قارباً مطلع الشهر الماضي حيث كان الطريق الوحيد الذى يمكن من خلاله الوصول للمنطقة للتحقيق بشأن الاشتباكات بين الجيش الشعبي و قوات الجنرال المتمرد تانج بسبب الخلافات السياسية والعرقية بجانب ان البعثة كانت تهدف ايضاً للعمل على إزالة الذخيرة المتفجرة من المنطقة، وأشار فريق التحقيق الى أن قائد الوحدة المعنية بالجيش الشعبي الجنرال جون كروج ابدي عدم تعاونه مع البعثة وكان يتحدث بلهجة دفاعية ورفض الإجابة على الأسئلة التى وجهها له فريق التحقيق و منعهم من الوصول الى منطقة المعركة التى حلقت فيها الطيور الجارحة بحجة انها لن تكون آمنه على الرغم من إبداء البعثة رغبتها فى مساعدة الجيش الشعبي وتقديم الدعم له بجانب المساعدة فى إزالة المتفجرات من المنطقة، و قال فريق التحقيق : لم نجد بداً من التوجه الى المدنيين الذين ينتمون لنفس قبيلة النوير التى ينتمي إليها الجنرال قبريال تانج ، فدخلنا القرية تتقدمنا رائحة الموتي وأسراب الذباب حيث وجدنا الجثث تنشر بجميع الأكواخ الموجودة بالمنطقة و توصلنا لمسئول من المنطقة يدعي موسس قيجانقا كان يود الحديث إلينا دون علم جنود الجيش الشعبي وقال موسس انه عقب انتهاء الاشتباكات بين قوات الجيش الشعبي و قوات الجنرال تانجيا خارج المنطقة دخلت قوات الجيش الشعبي لمنطقة (كالداك) واستهدفت المدنيين الذين قتل اغلبهم بينما غرق بعضهم خلال محاولاتهم الفرار عبر النهر . نهر الدم و أضاف قيجانقا أن حوالي 254 من المدنيين لقوا مصرعهم و أوضح موسس فى رده على استفسار فريق التحقيق عن جثث القتلي بأن جنود الجيش الشعبي قد قاموا برميها فى النهر ، لافتاً الى ان فريق البحث يمكنه رؤية الجثث على ضفاف النهر ، مضيفاً ان الجنود قاموا بنهب ممتلكات المدنين، وفى حال يرثي لها فكانوا يأكلون العشب وأوراق الشجر بجانب انتشار الجثث غير المدفونة و البيوت المحروقة، وأضاف المحققون إن امرأة فى عقدها الرابع مصابة بجروح أخبرتهم بأن جنود الجيش الشعبي قد أطلقوا النار على وليدها الذى يبلغ من العمر اقل عامين ، وعندما سئلت المرأة لماذا تعتقد ان الجنوب أطلقوا النار عليها قالت ان الجنود لا يفرقون بين النساء والرجال ولكنهم يطلقون النار على كل شئ يتحرك دون استثناء . من جانبه قال مسئول ببعثة حفظا لسلام التابعة للأمم المتحدة جاسبير ليدر أن الاشتباكات أسفرت عن خسائر فادحة من الجانبين ولكن عدد قليل من المدنيين لقوا مصرعهم بمنطقة كالداك. لا دليل:- في السياق كان فريق تحقيق أمريكي قد زار المنطقة بعد مرور خمسة عشر يوما من الاشتباكات وقال ان الدلائل لا تشير لعملية قتل جماعي وأكدوا أنهم شاهدوا ست عشرة جثة من بينها امرأتان ولكنهم لم يتمكنوا من الوصول لمنطقة الاشتباكات. ومضي تقرير الأممالمتحدة للإشارة إلى تورط الجيش الشعبي في انتهاكات إنسانية أخرى خلال الأحداث الأخيرة بولاية الوحدة، حيث اتهم فيها الجيش الشعبي بحرق ونهب منازل المدنيين والذين يتبعون أيضاً لقبيلة النوير عقب اشتباكه مع قوات الجنرال بيتر قاديت بمنطقة مانكين والتي أكد مسئولو الأممالمتحدة أنها أسفرت عن أعداد كبيرة من النازحين. في ذات الأثناء قال الناطق الرسمي للجيش الشعبي فيليب أقوير أن أحداث ولاية الوحدة يجب التحقيق بشأنها . غير أن الجيش الشعبي حاول أن يقلل من مثل هذا الحديث، وقال الناطق الرسمي للجيش الشعبي فيليب أقوير أنهم قاموا بتحويل الجيش الشعبي من حرب العصابات إلى جيش تقليدي، وأضاف : أعدنا ترتيبه وقمنا باستيعاب عدد من المجندين غير المدربين ولا شك أنه سيكون هنالك بعض الأخطاء الناتجة عن قلة التدريب فالأمر سيستغرق بعضاً من الوقت. وزاد أقوير أن الأوضاع الآن تحت السيطرة وان على المتمردين أن يلقوا أسلحتهم . ويؤكد المتمردين أنهم يقاتلون ضد الفساد والمحسوبية والعنصرية القبلية، لكن متحدثاً باسم احدي الجماعات المتمردة قال ل ( رويترز) انهم سيقاتلون الى الأبد ضد ما يصفونها بالحكومة الشمولية. نصائح مقربين:- وقال جون برندر قاست المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية الذي شارك في تأسيس منظمة (ايناف بروجكت) لمكافحة الإبادة الجماعية أن على الجنوب أن يتعامل مع الجنوبيين الذين يريدون حمل السلاح ضد حكومتهم حتى يتجنب نشوب صراع داخلي. وأضاف : ستولد الدولة وسط هذه الفوضى المدعومة من الخارج لكن أذا لم تتعامل الدولة الجديدة مع القضايا الداخلية المتعلقة بالتواطؤ مع الخرطوم فقد يؤدي هذا إلى حرب أهلية. وقال مسؤول كبير بالأممالمتحدة طلب عدم نشر أسمه أن على حكومة الجنوب أن تتحمل جانبا من اللوم على الفوضى لأنها لم تبذل ما يكفي من الجهد لاحتواء المتمردين منذ اتفاق السلام. وأضاف: كان أسلوبهم هو شراؤهم بالمحسوبية أو هزيمتهم عسكرياً لكن الخلافات القبلية أساسية في هذه المشكلة. انه سباق مع الزمن ليناء هوية جنوبية أكبر من القبائل. نواقص الدستور:- وبعيداً عن أجواء النزاعات العسكرية، يبدو أن المناخ السياسي ملبد بالغيوم بسبب أزمة دستور الدولة الجديدة، ويقول مسؤول جنوبي أن المجتمع الدولي انشغل عن التدقيق في دستور الجنوب الجديد الذي وصفه المسؤول بأنه شمولي بسبب انعدام الأمن والحاجة الماسة لتوفير مساعدات غذائية لملايين الجنوبيين. وكان يجري إعداد الدستور المؤقت الحالي منذ اتفاق السلام وهو ينص على ألا يتولي الرئيس الحكم لأكثر من ولايتين كحد أقصي. وأختفي هذا الشرط من الدستور الجديد وسيكون للرئيس صلاحيات جديدة في تشكيل حكومات الولايات. كما تسمح مسودة الدستور الجديدة لرئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير بتعيين 66 عضواً جديداً بالمجلس التشريعي. ويخشي مراقبون من أن يكون الجنوب بصدد إنشاء دولة حزب واحد. وقال المسؤول بالأممالمتحدة ان مراجعة الدستور تعطي لمحة عن رؤيتهم لتقسيم السلطة في المستقبل وهناك بعض النزاعات الشمولية الواضحة. وأضاف : نخشى أن يؤدي هذا الخط الشمولي الى انعدام الأمن وهو ما نراه بالفعل. نقلا عن صحيفة السوداني السودانية 6/6/2011م