أكثر ما يثير قلق المراقبين عادة فيما يخص الشأن الشمالي والجنوبي ليس مجرد الخلاف والنزاع الذي يثور من حين إلى آخر بشأن قضايا الشطرين سواء تمثلت فى نزاع أبيي أو الحدود أو الديون، او مجمل القضايا العالقة التى لابد من حسمها قبل أن يصبح الطرفين دولتين جارتين لكل منهما كينونة ومصالح وعلاقات ربما تتقاطع مع بعض لدرجة التعقيد. الذى يثير القلق أن الجانب الجنوبي – وعلى وجه الخصوص قادة بعينهم فى الحركة الشعبية – يجرون حساباتهم و طريقة تعاطيهم مع الأمر وهم مراهنين على العامل الخارجي الأجنبي . هذه فى الحقيقة هى أزمة علاقات الشمال بالجنوب، إذ أن الحركة الشعبية جعلت منها علاقة شمال السودان بالقوى الدولية الكبري، بل إن الحركة الشعبية – وهذا أمر محزن – (وضعت كل البيض فى السلة الأمريكية) للدرجة التي باتت فيها واشنطن تمتدح أم تذم السودان بحسب الأحوال بقدر ما يقدم من تنازلات للجنوب او يرفض الاستجابة للمطالب الجنوبية. بمعني أوضح صارت الحركة الشعبية العملة التى تتعامل بها واشنطن مع الخرطوم، و تحولت الى مقياس تقاس به علاقات الخرطوم مع واشنطن- الأسوأ من كل ذلك ان الحركة ارتضت لنفسها فى هذا الصدد لعب دور لا يهمها فيه ما اذا كان فى ذلك مصلحة للجنوب والجنوبيين أم لا ، المهم مصالحها هي . و من خلال هذه الزاوية المهمة يمكننا قراءة الموقف الحالي فى جنوب كردفان ، إذ لا يتطرق الشك لكل متابع ان الحركة الشعبية تقوم بصناعة سيناريو لحرب ، الغرض منها نقل الحرب الى الشمال بعد ان كانت الحرب قديماً تدور في الجنوب ، ويقضي السيناريو ايضاً بأن يتأرجح الصراع فى كردفان بشدة بحيث تشتعل النار حتى تصبح لهيباً غير قابل للإطفاء ، فقد رأينا كيف (بادرت) الحركة لاستفزاز الجيش السوداني فى حادثة 19 مايو الماضي و دفعت الجيش لبسط سيطرته على أبيي. الآن تلتها حادثة 6 يونيو الجاري حيث تقدمت الأمور باتجاه درجة خطيرة باستهداف المدفعية الثقيلة لمقار إستراتيجية مثل مقر الوالي و بعض المقار الرسمية فى كادوقلي عاصمة الولاية ليسقط جرحي وشهداء من الجيش . ليس من السهل أن نتصور أن الحادثتين بهذه الكيفية ليست سوي مجرد مصادفة ، أو حادثات عرضية أو سلوك فردي معزول، فحتى لو بدا الأمر كذلك ففي أحشاء الحادثتين محمولات ذات طابع تآمري مقصود . هنالك خطة حرب الهدف الرئيس منها هو أن تصبح جنوب كردفان (جنوباً جديداً) ولم ينس أحد إشارات عرمان بهذا الخصوص قبل أشهر . هنالك ايضا (دعوة مفتوحة) لمجلس الأمن لاستجلاب قوات أو الإبقاء على اليوناميس بتفويض جديد. وهكذا فالقضية تبدأ و تنتهي بطريقة اللعب فى ذهن الحركة الشعبية وهو لعب يعتمد بصفة أساسية على (اللاعبين الأجانب) لأن الحركة لا تملك عناصر لعب مناسبة ولا تثق فى قدراتها وأثبتت الظروف انها أعجز وأضعف من أن تصارع الوطني ،على الرغم من ان منطقة جنوب كردفان مشهورة بالصراع كثقافة رياضية تراثية موروثة !