ربما كان مفاجئا - بالقطع ليس للكثيرين - الطريقه الحادة التي عبر بها والي جنوب كردفان احمد هارون وهو يتحدث عن نائبه السابق عبد العزيز الحلو وعن ياسر عرمان ويصفهما بالمتمردين. ويتوعدهما بالملاحقه العسكرية الجنائية. هكذا استهل صديقي ضياء الدين بلال العين الثالثة في صحيفة السوداني. ومصادفة اتصلت في نفس اليوم على نهج ياضياء ماعذبتنا مبديا بعض ملاحظاتي حول الصحيفة ولم اكن حينها قد قرأت مقاله اليومي . ومن الصدف انني استمعت لحديث مولانا احمد هارون في برنامج (مؤتمر اذاعي) بمشاركة ضياء والطاهر ساتي والاذاعي الكبير الزبير عثمان ولم يكن انطباعي كما وصف الاستاذ ضياء انه كان في اعلى درجات الغضب واشد حالات الغيظ. فليس من طبع مولانا هارون الانفعال والغضب ويميل للهدوء وتبسيط الامور. كان انطباعي ان القاضي هارون يحاكم متهمين امامه ويرافع عنهما ضياء والطاهر ساتي. وان كنت اخي ضياء لاتدعي اذا قلت ان لك علاقات مميزة في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فما الذي يدعوك لرفع حاجب الدهشة ان رأيت انفعالا ظاهرا بل غضبا على مولانا احمد هارون وانت تعرف جيدا علاقة (هارون والحلو) وان كنت لاتدعي فانني اجزم ان علاقاتي بالحركة لم تنقطع لحظة واتصالاتنا مستمرة ولم يوقفها الا الهجوم الغادر على كادوقلي، وكنت اشارك مولانا أحمد هارون في التطبيع مع الحركة وتجاوز بعض الهنات لها احيانا نسبة لقلة تجربتها في الحياة السياسية. لم يكن هارون من افضل الشخصيات في المؤتمر الوطني من حيث العلاقة مع الحركة فحسب ولكنه كان من اكثرهم املا في ان المجادلة بالحسنى هو السبيل الوحيد لتطويع الحركة وتغيير عقليات الخلاف والعنف والقبول بمناخات الحرية والمدنية والديموقراطية. الكثيرون لم يلاحظوا ان الحركة بكل قياداتها دون استثناء لم تكن قادرة على التحول والتعايش مع الواقع الجديد فلم يجلس الفريق اول سلفاكير في مقعد رئاسة الجمهورية رغم احقيته له باعتباره النائب الاول، فقد ظل جالسا في جوبا حتى في فترات الغياب للسيد رئيس الجمهورية واعرف جيدا حرصه على تولي نائبه الاول لمسئولياته. ناهيك عن دينق ألور الذي لم يميز بين وزارة الخارجية السودانية وعضويته في الحركة الشعبية وعن باقان الذي لم يصمد كثيراً في رئاسة مجلس الوزراء لتناقضاته الكبيرة وقيادته لدعاة الانفصال، والحديث عن الاخ ياسر عرمان يطول فقد كان بحق بطلا للأزمات ولم يتمكن من التوفيق بين انتمائه للشمال وعضويته في قيادة الحركة فاطلق نيرانا كثيفة في العلاقات بين الطرفين ولم تشفع له لقاءاته بالسيد الرئيس والأستاذ علي عثمان وآخر لقاءاته مع الدكتور نافع الذي كنت طرفا في تهيئتها ولقاءات كثيرة عقدناها هنا وهناك في محاولة لرصف طريق يسهل الوصول الى بناء جسور الثقة. ولعل آخر محادثاتي معه كانت قبل احداث كادوقلي بيومين فقط لترتيب يجسد العلاقة الجديدة بعد ان اصبح انفصال الجنوب واقعا وحتمية ترتيب اوضاع الحركة بالشمال رغم الغبار الكثيف من تداعيات انتخابات جنوب كردفان تحت شعار النجمة او الهجمة التي تؤكد ماذهبنا اليه من ضرورة التعايش السلمي والاعتراف بالآخر واحترام خيارات الجماهير بنتائج الممارسة الديموقراطية التي لم تشهد تجاوزاً واحداً في العملية الانتخابية إلاّ أن الشعار جوهره ومضمونه يرفض الديمقراطية وينادي لفرض القوة منهجا وسلوكا ولاتقبل النتائج الا اذا كانت في مصلحة الحركة. ولا اتفق بالطبع مع من يدعون بتنازل المؤتمر الوطني للحركة في جنوب كردفان لمنصب الوالي كما حدث في النيل الازرق وهو ادعاء لايسنده واقع ولا منطق ولم يستجب المؤتمر الوطني لتلك الدعاوى، كما يعتقد بعض الناس للتنازل للحركة عن النيل الازرق فقد كانت الفوارق بسيطة في المنافسة ولم يفاجأ المؤتمر الوطني بالنتيجة لان الاحصاءات قبل الانتخابات كانت تشير لقوة التنافس فضلا عن الصراعات والخلافات التي كانت تشير لاحتمال فقدان المؤتمر الوطني لإنتخابات النيل الازرق ويساعد على ذلك ترشيح القيادي باكاش الذي لم تثنه اللقاءات الكثيرة عن العدول عن ترشيحه مما اضعف الموقف وساعد على تجاوز الحركة وفوزها بعدد مقدر من المقاعد التشريعية اضافة لمنصب الوالي وتكرر ذات المشهد في جنوب كردفان تماما بترشيح تلفون كوكو القيادي بالحركة الذي اصبح ترشيحه خصماً على حظوظ الحركه الشعبية. بعد كل ماتقدم ما الذي يتوقعه ضياء الدين بلال وآخرون من مولانا احمد هارون ان يفعل؟ ان يدير خده الايسر ؟؟ المشهد السياسي لم يعد ضبابيا كما كان من قبل بمحاولات المؤتمر الوطني للاستفادة من الاجواء التي سادت بتحقيق السلام بعد فشل مشروع الوحدة ولم يعد ممكنا ولا مقبولا الانحناء للعاصفة فلم يبق مايدعو للتنازل . ولم يبق من ضوء بسيط في النفق المظلم ؟ نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 16/6/2011م