المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما يُغرق أمريكا في الحروب
نشر في سودان سفاري يوم 26 - 06 - 2011

أثار انتخاب باراك أوباما رئيساً لأمريكا عام 2008 موجة كبيرة من الآمال في “التغيير" و"السلام"، داخل وخارج الولايات المتحدة، حتى إن الرجل منح جائزة نوبل للسلام، استناداً فقط إلى خطابه ووعوده . ولكن خلافاً للآمال، أخذت الولايات المتحدة تغوص أكثر فأكثر في نزاعات عسكرية، ما دفع كثيرين من الكتّاب والمعلقين والمدونين إلى توجيه الانتقادات لأوباما، وحتى إلى التحدث عن “أمريكا في حالة حرب دائمة" .
في موقع “ريزون"، كتب المعلق الأمريكي البارز ستيف شابمان مقالاً بعنوان “أوباما ومواصلة حرب بلا نهاية"، قال فيه: عندما ينكبّ المؤرخون بعد عقود من الآن على دراسة أحداث أوائل القرن الواحد والعشرين، لن يجدوا مشقة في تفسير لماذا انتخب الأمريكيون باراك أوباما رئيساً . لقد انتخبوه عن اقتناع راسخ بأن الولايات المتحدة ليست متورطة في ما يكفي من الحروب .
وفي الواقع، هناك اليوم قوات أمريكية تقاتل في أربعة بلدان مختلفة .
البلد رقم 4 هو اليمن، حيث نكتشف أن الإدارة تقوم بحملة سرية كثيفة ضد مقاتلين معادين للحكومة، باستخدام طائرات حربية وصواريخ تطلقها طائرات من دون طيار . وتدير البنتاغون هذه الحملة بالمشاركة مع ال “سي .آي .إيه"، فيما تخبرنا صحيفة “نيويورك تايمز" أن “فرقاً من عناصر عسكرية واستخباراتية أمريكية أقامت مركز قيادة في العاصمة اليمنية صنعاء" .
فهل يشعر الأمريكيون بأمان أكثر؟ كلا على الأرجح . إذ إن معظم ما يفعله الرؤساء بالجيش الأمريكي لا يستهدف تعزيز أمن ورفاهية الشعب الأمريكي، بل هو يستهدف في المقام الأول تعزيز سيطرتنا العالمية، حتى أو ربما خصوصاً في أماكن لا صلة لها بمصالح ملموسة، مثل اليمن، أو مثل ليبيا، التي نسميها الحرب رقم 3 .
فمنذ مارس/ آذار والإدارة غارقة في مهمة إنسانية رفيعة تتطلب منا إلقاء قنابل على أساس منتظم . وهدف أوباما المعلن هو منع مذابح جماعية يتهم معمر القذافي بالتخطيط لارتكابها . ولكن تلك الذريعة كشفت عن الغاية الحقيقية: قتل الديكتاتور، أو إرغام نظامه على الإذعان، أو كلا الأمرين .
وحتى الآن، لا تبدو نهاية في الأفق، ومع ذلك يقول مسؤول متفائل في وزارة الدفاع لصحيفة “نيويورك تايمز"، “إننا نقضي على قدراته بصورة مطردة وثابتة" . وإذا ما تبين أن هذا التصريح خاطئ، نكون قد أحرقنا 700 مليون دولار لشن هجوم عقيم في بلد لا يشكل أي تهديد لنا .
ولكن في هذه الحالة، المتشائم هو شخص يعتقد أن المتفائلين على حق . فإذا كان حلف الأطلسي حقاً في سبيله لإلحاق الهزيمة بالقذافي، فسوف نواجه قريباً السؤال: وماذا بعد ذلك؟ فبعد أن نكون قد دمرنا حكومته، سنرث فجأة مسؤولية كاملة عن مصير ليبيا وشعبها . وهذه لن تكون مهمة سهلة . فلنتذكر كيف سارت الأمور في أعقاب غزو العراق، عندما لم يلبث الانتصار أن تحول إلى فوضى من العنف قتلت آلافاً من الجنود الأمريكيين .
ولنتذكر أيضاً سجلنا في محاولة تحقيق تحولات في أفغانستان . واليوم، لدينا هناك 100 ألف جندي، أي ثلاث مرات أكثر مما كان لدينا عندما تولى أوباما الحكم . والمسؤولون المدنيون والجنرالات يؤكدون لنا دائماً أن جهودنا تحقق نجاحات، ولكن ليس بدرجة كافية تسمح برحيلنا .
وعلى الرغم من استبسالنا العسكري الذي يتبجح به الجنرالات، فهم يقولون إن المكاسب “هشة وقابلة للزوال"، ما يفرض علينا البقاء لسنوات قادمة . والنظام الأفغاني مشهور بالفساد وعدم الأهلية، وهو كثيراً ما يتحدث إلينا بلهجة عدائية . ولكن سفيرنا المعين لدى أفغانستان ريان كروكر متفائل، ويعدنا بأننا سنبني في ذلك البلد “حكماً جيداً بصورة معقولة" .
ولكن هذا التفكير هو من قبيل التمني . ففي مطلع هذا الشهر، أصدرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ التي يسيطر عليها أعضاء من حزب أوباما تقييماً وجد أن جهودنا لبناء حكم واقتصاد يعملان بنجاح لم تحقق سوى القليل من النتائج المشجعة . وقال التقرير إن “انعدام الأمن، والفقر المدقع، والفساد المتفشي على نطاق واسع، وعدم وجود ما يكفي من الكفاءات المحلية، كل ذلك يشكل تحديات لأوجه إنفاق أموالنا" .
وأظهر التقرير أيضاً أن المساعدات الخارجية تمثل 97% من النشاط الاقتصادي في أفغانستان، واستنتج أن رحيلنا يمكن أن يؤدي الى “كساد اقتصادي خطير" .
فما هو الحل؟ يقولون لنا إننا يجب ألا ننسحب . وفي مقابلة مع إذاعة “صوت أمريكا"، أشار رجيف شاه، رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، إلى أن “الرئيس أوباما قال إن هذا مجهود يتطلب عمل جيل" .
ويستخدم المسؤولون الحكوميون تعبير “جيل" عندما يقصدون “إلى ما لا نهاية" .
والرئيس لا يخطط لإخراجنا من أفغانستان قبل عام ،2014 أي بعد 13 سنة من دخولنا الى ذلك البلد . وقد وعد بالبدء في الانسحاب هذا الصيف، ولكن البنتاغون تقاوم أي شيء يزيد عن حد أدنى من تخفيض القوات المنتشرة في أفغانستان .
انسحاب زائف من العراق
وبالمثل، رغم نجاحنا المزعوم في العراق، تريد الإدارة إبقاء قوات هناك أيضاً إذا وافقت حكومة بغداد . ولكن ليون بانيتا، الذي اختاره أوباما لتولي وزارة الدفاع، يقول إنه “واثق تماماً" من أن الحكومة العراقية ستوافق .
ونظراً إلى عجوزات الميزانية المتضخمة باستمرار، ودخولنا مرحلة تقشف مالي، كيف يمكننا تحمّل أكلاف كل تلك الحروب؟ إننا لا نستطيع . ولكننا سنفعل ذلك في جميع الأحوال .
في موقع مجلة “ذا ناشيونال انترست" الأمريكية، كتب تيد غالن كاربنتر، نائب رئيس مركز دراسات الدفاع والسياسة الخارجية في معهد “كاتو" للأبحاث في واشنطن، مقالاً ينتقد فيه خطط إدارة أوباما لإبقاء “جيش استعماري بالأمر الواقع" في العراق . وهو يقول: لطالما تباهت إدارة أوباما بخططها للانسحاب من العراق . ولكن مثل هذا الانسحاب العسكري النهائي يبدو الآن زائفاً مع كل يوم يمر . فخلال الشهرين الماضيين، كان قادة البنتاغون، ابتداء من وزير الدفاع روبرت غيتس، يطلقون بالونات اختبار بشأن “ضرورة" إبقاء قوات في ذلك البلد بعد نهاية عام 2011 . وحتى في حال لم تنجح واشنطن في إرغام رئيس الوزراء نوري المالكي عبر قبول استمرار وجود عسكري أمريكي “رمزي" في بلده - وهذا أمر مستبعد - فإن جيشاً استعمارياً أمريكياً بالأمر الواقع سيبقى هناك إلى أجل غير مسمى .
والوقائع على الأرض تكذب أي تصور عن أن حكومة الولايات المتحدة تنوي السماح للعراقيين بإدارة شؤونهم الخاصة . وفي الوقت الراهن، تقوم الولايات المتحدة ببناء سفارة فخمة عملاقة في بغداد، ستكون مجمعاً بحجم مدينة الفاتيكان تقريباً، وسيعمل فيها أكثر من ألف دبلوماسي ومساعد مباشر . ومستوى كلا البناء والعاملين فيه سيكون أكبر بكثير من سفارات الولايات المتحدة في دول كبرى مثل الصين، واليابان، وألمانيا، وبريطانيا . وكل ذلك في بلد يعد نحو 25 مليون نسمة . ومثل هذا الوجود الأكبر بكثير من المعتاد يشير إلى أن سفير الولايات المتحدة يعتزم الاضطلاع بدور نائب ملك امبراطوري، وليس مجرد ممثل دبلوماسي لدى دولة ذات سيادة .
والآن، تخبرنا صحيفة “وول ستريت جورنال" أن السفارة الأمريكية سوف تستخدم مفرزة أمنية خاصة تتكون من نحو 5100 شخص من أجل حماية العدد الضخم من العاملين في السفارة والقيام بمهمات أخرى . وحتى لا يتوهم أحد أن هؤلاء العناصر سيكونون حراساً عاديين، يتبين بوضوح أنهم سيكونون أكثر من ذلك بكثير . وفي شهادة أمام لجنة برلمانية، أقر باتريك كينيدي، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الإدارة، بأنه إضافة إلى حماية الدبلوماسيين ومباني السفارة، فإن هذه القوة الأمنية “سوف تدير أسطولاً من طائرات وعربات مدرعة" . وكم سيكلف ذلك دافعي الضرائب الأمريكيين؟ على الأقل ثلاثة مليارات دولار سنوياً .
والسيناريو الذي يتضح الآن هو أن الولايات المتحدة ستحتفظ في العراق، إلى أجل غير مسمى، ب “بقية قوات" تضم 5000 إلى 15000 جندي، يدعمهم جيش خاص من مرتزقة يضم أكثر من 5000 عنصر، معظمهم عسكريون سابقون .
وهذا نمط مألوف تماماً . فعندما يتعلق الأمر بالاحتفاظ بوجود عسكري كبير في بلدان أجنبية، يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى تطبيق نسخة من عقيدة بريجنيف سيئة السمعة . وهذه العقيدة، التي طبقها الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف في الستينات، تقضي بأنه عندما يصبح بلد ما عضواً في المعسكر الشيوعي، فلن يسمح له أبداً بالانسحاب . وبالمثل، عندما تستقر قوة أمريكية كبيرة في بلد آخر، لن يقبل القادة السياسيون والعسكريون الأمريكيون أبداً تغيير هذا الوضع . ونحن لانزال نحتفظ بقوات وقواعد في كوريا الجنوبية بعد نحو 60 سنة من نهاية الحرب الكورية، وفي ألمانيا واليابان بعد 66 سنة من نهاية الحرب العالمية الثانية . والحالات الوحيدة التي ترحل فيها القوات الأمريكية هي عندما يتم طردها (كما حدث في فيتنام، ولبنان والصومال)، أو عندما تقع أحداث غير معتادة (كما حدث في الفلبين، عندما تزامن انفجار بركان بيناتوبو مع تصويت مجلس الشيوخ الفلبيني على قرار بإغلاق القاعدتين الأمريكيتين) .
والعراق اليوم مهدد بأن يصبح أحدث حلبة تطبق فيها واشنطن عقيدة بريجنيف العسكرية . ولكن من غير المحتمل أن تكون الحلبة الأخيرة . فهناك الآن قرع طبول من أجل الإبقاء على وجود عسكري كبير في أفغانستان لسنوات أو عقود قادمة . والقادة الأمريكيون ينكرون دائماً أن تكون الولايات المتحدة امبراطورية، ولكن من المؤكد أن سلوك واشنطن يخلق انطباعاً بأنها امبراطورية لديها قواعد ودول تابعة . وسلوكها في العراق لا يفعل شيئاً لتبديد هذا الانطباع .
الحرب تستمر في أفغانستان
في موقع “تروث ديغ"، ينتقد بيل بويارسكي، الأستاذ المحاضر في الصحافة بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، سياسة الغموض التي تنتهجها إدارة أوباما بشأن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان . وكتب يقول:
رواية البيت الأبيض عن اجتماع الرئيس باراك أوباما مع فريقه المختص بأفغانستان كانت مهينة بالنسبة لأي شخص يريد معرفة متى ستنتهي الحرب في أفغانستان أو ما إذا كانت ستنتهي . وفي أعقاب اجتماع يوم الاثنين (في 6 يونيو/ حزيران)، الذي جاء بعد زيارة وزير الدفاع روبيرت غيتس إلى أفغانستان، وهي زيارة أحيطت بتغطية إعلامية واسعة، فإن الفقرة التالية كانت أهم ما وجدناه في موقع (دعاية) البيت الأبيض على الإنترنت: “ترأس الرئيس هذا الصباح الاجتماع الشهري بشأن أفغانستان وباكستان مع فريقه المختص بالأمن القومي . وخلال هذا الاجتماع، قدم المسؤولون إلى الرئيس تقارير حول التقدم في تطبيق استراتيجيتنا بشأن أفغانستان وباكستان في أعقاب قتل أسامة بن لادن" .
أما بقية البيان (الذي لم يزد على 70 كلمة، إضافة إلى قائمة بأسماء الحاضرين) فقد كانت غامضة هي أيضاً . ولم يتضمن البيان أي تلميح لجواب عن سؤال طرحه جندي على غيتس خلال جولته في أفغانستان . وحسب صحيفة “لوس أنجلوس تايمز"، فإن الجندي سأل غيتس: “سيدي، منذ مقتل أسامة بن لادن، هل حدث أي تغيير في استراتيجيتنا العسكرية؟" . وكان جواب غيتس: “لقد حققنا الكثير من التقدم، ولكن لايزال أمامنا طريق طويل" .
إن مسألة إلى متى سنستمر في هذه الحرب العقيمة هي موضوع النقاش الداخلي الدائر حالياً في واشنطن، وهو نقاش مثقل بلغة ضبابية تجعل من المستحيل معرفة ما تقرره الإدارة . ولكن من المرجح أن القرار قد اتخذ، بحيث إننا سنبقى عالقين في أفغانستان طالما استمر أوباما في سياسته الراهنة .
وحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز"، فإن تمثيلية النقاش هذه كشفت عن وجود تيارين داخل الإدارة، أحدهما يضم غيتس وآخرين في البنتاغون يؤيدون بداية صغيرة في سحب بعض القوات كما وعد أوباما بتحقيق ذلك ابتداء من الشهر المقبل . ويضم التيار الآخر نائب الرئيس جو بايدن وآخرين يريدون انسحاباً أسرع وأكبر حجماً يستطيع أوباما تقديمه إلى الناخبين في الانتخابات الرئاسية عام 2012 .
ولكن يبدو أن لا أحد في البيت الأبيض يثير السؤال المركزي: لماذا سنبقى في أفغانستان؟ وإذا حكمنا استناداً إلى معلومات تسربت من مناقشات البيت الأبيض، فإن أحداً لا يشير، كما فعل الجندي، إلى أن مقتل ابن لادن يمكن أن يغير الوضع . ويؤيد ذلك خصوصاً أن تنظيم “القاعدة" بات متخندقاً الآن في أماكن غير أفغانستان، بما فيها باكستان واليمن، وهما بلدان يقال إنهما “حليفان" لنا .
وفي الواقع، تواصل إدارة أوباما اعتماد استراتيجيتها على أساس النظرية القائلة بأن “طالبان" و"القاعدة" مترابطان . وقد كررت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون سياسة الإدارة هذه في كلمة ألقتها في فبراير/ شباط الماضي أمام الجمعية الآسيوية وقالت فيها: “طالبان والقاعدة هما مجموعتان لديهما أهداف متمايزة، ولكن كلتيهما عدوة لنا وهما جزء من مجموعة إرهابية منظمة لا بد من تحطيمها" . وأضافت أن سياسة الرئيس أوباما تقضي ب “إنزال الهزيمة بالقاعدة وتفكيكها، ومنعها من تهديد أمريكا وحلفائنا في المستقبل . لا يمكن السماح للقاعدة بالاحتفاظ بملاذها الآمن، تحت حماية طالبان، والاستمرار في تخطيطها لشن هجمات . . ." .
وقالت كلينتون إن هدف الإدارة هو إضعاف طالبان، وفصلها عن القاعدة، والتصالح مع عناصر طالبان “الذين سينبذون العنف ويقبلون الدستور الأفغاني" .
أي أن موت ابن لادن لم يغير شيئاً في سياسة الإدارة . وفي اليوم التالي لمقتل ابن لادن، قالت كلينتون إن “المعركة لوقف القاعدة ومجموعتها الإرهابية المنظمة لن تنتهي بموت ابن لادن . يجب علينا أن ننتهز هذه الفرصة لإعادة تأكيد تصميمنا ومضاعفة جهودنا . وفي أفغانستان، سنواصل محاربة القاعدة وحلفائها الطالبان . . ." .
إذن، المجهود المكلف بالدماء في أفغانستان مستمر، ولكن هذا يجب ألا يكون مثار دهشة . فمنذ الأيام الأولى لحملة انتخابات الرئاسة عام ،2008 كان واضحاً أن أياً من أوباما أو كلينتون لن يخرجنا بسرعة من العراق أو أفغانستان . وفي الواقع، استخدم أوباما فكرة توسيع الحرب في أفغانستان كوسيلة للدفاع عن نفسه بمواجهة الجمهوريين والمرشحة للرئاسة كلينتون الذين هاجموه بسبب انتقاده للحرب في العراق . ورغم كل انتقاده لمصيبتنا في العراق، فقد كان يدافع دائماً عن الفكرة الغامضة بشأن إبقاء “بقية قوات" صغيرة هناك . وعندما اختار أوباما كلينتون كوزيرة للخارجية، فهو إنما اختار شخصاً متشابهاً في أفكاره .
ولهذا فإن مراجعة الاستراتيجية الجارية حالياً في البيت الأبيض لا تعني الكثير . فإذا حكمنا استناداً إلى تصريحات كلينتون، فإن الولايات المتحدة ستواصل محاربة طالبان إلى أن تقبل ما يعادل استسلاماً غير مشروط للولايات المتحدة وحكومة حامد قرضاي .
وهذا يدل على أن تخفيضات القوات المقرر أن تبدأ الشهر المقبل ستبقى صغيرة .
المصدر: الخليج 25/6/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.