لليوم الرابع على التوالي يواصل المئات من الرعايا الاجانب الاعتصام في وسط القاهرة للمطالبة بالسماح لهم بالذهاب الى قطاع غزة المحاصر والتضامن مع اهله الصامدين. المعتصمون جاءوا من اكثر من 45 دولة في العالم للاحتجاج على الحصار ومشاركة الحكومة المصرية الى جانب الحكومة الاسرائيلية في خنق مليون ونصف المليون فلسطيني في عقوبات جماعية ترقى الى جرائم حرب. الحكومة المصرية دفعت بالآلاف من جنود الامن المركزي لمحاصرة هؤلاء الذين افترشوا الارض، ورددوا الهتافات المنددة بالحصار والمتواطئين فيه عرباً واسرائيليين واجانب، كما اقدم الكثير منهم على الاضراب عن الطعام في محاولة منهم للضغط على النظام المصري لفتح معبر رفح والسماح لهم بزيارة القطاع الفلسطيني المنكوب. يصعب علينا ان نفهم هذا 'العناد' من قبل النظام المصري وقوات امنه، فهؤلاء الاجانب الذين يؤكدون انهم اكثر تعاطفاً وانسانية من رموز هذا النظام تجاه عرب ومسلمين محاصرين، لا يريدون غير الانتقال الى قطاع غزة، فما هي الحكمة من منعهم، واغلاق الابواب في وجوههم؟ ومن المؤلم ان هذا العناد غير المفهوم وغير المبرر يتزامن مع منع السلطات المصرية لقافلة الحرية التي تحمل مساعدات لأبناء القطاع من الانتقال الى الاراضي المصرية عبر ميناء نويبع القريب من العقبة، والاصرار على عودتها الى اللاذقية في سورية كي تستقل سفينة من هناك تنقلها الى ميناء العريش. الحكومة المصرية تعلن حرباً على كل المنظمات الانسانية العربية والاجنبية التي تريد اغاثة ابناء القطاع، والتخفيف من معاناتهم في ظل نقص كامل للدواء والغذاء، والمواد الاساسية التي تشكل الحد الادنى لسد الرمق، ومنع استشهاد هؤلاء جوعاً او مرضاً. لا نفهم هذا الموقف العدائي الغريب الذي يسيء الى سمعة مصر في المحافل الدولية ويصور قيادتها على انها بلا قلب، ولا انسانية، تتلذذ بتعذيب الابرياء وتجويعهم، ومنع كل أسباب البقاء عنهم. الحكومة المصرية نسفت الأنفاق لمنع وصول البضائع الضرورية لأبناء القطاع، وها هي تبني سورا فولاذيا على الحدود بعمق عشرين مترا تحت الارض لإنهاء ظاهرة الأنفاق كليا، وها هي تمنع وصول قوافل الاغاثة، والمتضامنين الاجانب من العبور الى غزة عبر معبر رفح. ومن المفارقة ان الحكومة المصرية، وبعد تدخل السفارة الفرنسية في القاهرة، سمحت لمئة شخص من هؤلاء المعتصمين بالذهاب الى قطاع غزة، الامر الذي يكشف مدى تخبطها وعدم منطقية قراراتها. فلماذا يسمحون لمئة فقط وليس للجميع، فهي - أي هذه الحكومة - لن تتحمل نفقات هؤلاء أو اطعامهم، او توفير المواصلات لهم. الا يشعر المسؤولون المصريون بالخجل والعار وهم يرون فرنسيين وهولنديين واسكندنافيين وأوروبيين آخرين يأتون من بلادهم، متحملين أجور انتقالهم، من أجل التضامن مع أبناء شعب عربي شقيق، والمطالبة برفع الحصار الظالم عنه، بينما المسؤولون المصريون يمنعون وصولهم، ويعملون على افشال مهمتهم، ويجبرونهم على افتراش أرض الميادين العامة للتعبير عن غضبهم واستيائهم؟ هؤلاء الاجانب الذين جاءوا من مختلف اصقاع الارض للتضامن معنا وقضايانا، وفضح الوحشية الاسرائيلية، يستحقون التهنئة، والنياشين، لا المعاملة السيئة التي يلقونها على أيدي رجال الامن المصريين. ولا نبالغ اذا قلنا انه لولا ما يتمتع به هؤلاء من حماية من سفاراتهم لما سمح لهم الأمن المصري بمواصلة اعتصامهم، ولتعرضوا للضرب والسحل وربما انتهاك العرض اسوة بالزملاء الصحافيين والمواطنين المصريين الذين تظاهروا ضد النظام وسياساته غير المفهومة وغير الانسانية. ان منع الاجانب من المرور الى غزة للتضامن مع أهلها وأطفالها لا يمكن تبريره بأي حال من الاحوال الا باعتباره خدمة مباشرة لاسرائيل وسياساتها الهادفة الى التعتيم على آثار الحصار الكارثية على قطاع غزة. الرئيس مبارك لم يتردد لحظة في السماح لآلاف الاسرائيليين بالقدوم الى مصر للاحتفال بما يسمى مولد أبو حصيرة استجابة لطلب من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي استقبله بحفاوة يوم أمس الاول. فقدوم هذه الآلاف من الاسرائيليين الى قلب الريف المصري (دمنهور) لا يشكل خطرا على الأمن المصري، بينما مرور ألف متضامن أجنبي الى قطاع غزة هو الخطر كله، أي منطق هذا وأي عقلية هذه التي تسير على نهجه! النظام المصري بمثل هذه الممارسات القمعية الهادفة لتحقيق مصالح اسرائيل، وعلى حساب الشعب المصري وكرامته ومشاعره الوطنية الاصيلة، يكشف انه ليس اهلا لحكم هذا البلد الكبير، وتحول الى عبء اخلاقي ثقيل على كاهله.