من الواضح، بل من المؤكد ان الحركة الشعبية لن ترضى بقيام دولة الجنوب وحكمها منفردة، فهي ما زالت عينها على النيل الازرق وجنوب كردفان.. وهذا كان واضحاً وجلياً في خطاب الفريق سلفاكير حيث قال لهم إنهم لن ينسوهم.. وبعد الانفصال مباشرة شن مالك عقار هجوماً على الشمال وحكومته.. واعلن استعداده للحرب، إذا لم يمنح قطاع الشمال بالحركة الذي يترأسه هو شخصياً- حرية الحركة وحرية ممارسة النشاط السياسي.. بل ذهب أكثر من ذلك وطالب بمنصب وزير الدفاع في حكومة الشمال الجديد الأمر الذي لم يطالب به الدكتور قرنق عقب توقيع اتفاقية الشمال. وجاءت الانباء من النيل الازرق وهي تحمل اخباراً مشاهدة عن استعدادات عسكرية هناك.. ولا أدري ان كان مالك عقار جاداً في حديثه واستعداداته أم انه نوع من الابتزاز السياسي، ليحقق بعضاً من مطالبه إذا كانت شخصية أم عامة؟. والأمر الثاني الوضع في جنوب كردفان والذي يبدو أنه يتجه نحو التصعيد.. خاصة ان ابناء جبال النوبة في الجيش الشعبي أكثرية.. وليس تحجيم وجود الجيش الشعبي في النيل الازرق.. الوضع في جنوب كردفان تحتاج معالجته إلى حكمة وإلى قوة كذلك، لان الحكمة التي تقف خلفها أو تحميها القوة هي التي ستكسب المعركة. لذلك يجب على الحكومة ان ترتبط الحكمة التي ستعالج بها قضية جنوب كردفان بالقوة العسكرية ذات الجاهزية العالية، لأن هناك قيادات لا تؤمن، بل ولا تعرف الحكمة طريقاً لعقولهم، وإنما القوة العسكرية ذات الجاهزية العالية تعرف الطريق إلى عقولهم.. وليس معنى حديثي انني انادي بضرورة الحسم العسكري هناك.. وإنما ان تبدأ الحكومة بالحكمة العقلانية.. وإذا لم تأت بنتائج ايجابية.. فلا بد من حسم الأمر عسكرياً.. الأمر الذي لا تريده.. وكثير من المراقبين يؤكدون ان فكرة المشورة الشعبية التي تفهمها الحكومة بشكل غير الفهم لدى الحركة الشعبية هي الاسباب والأساس في هذه الشربكة.. وفي هذا التمرد الجديد. وإذا لم تفد الحكمة والعقلانية لحل مشكلة النيل الازرق وجنوب كردفان.. فالحرب قادمة وليس هذا تخويفاً .. لكن كل الذي يجري في جنوب كردفان بشكل خاص من خلال ما تنقله الصحافة الاجنبية التي زارت المنطقة كثيراً وكذلك الصحفيين يؤكدون ان الاستعدادات العسكرية والتدريبات التي تجرى خلف الجبال العالية هناك.. هي انذار مبكر للحرب والسؤال الذي يطرح نفسه هو الغموض والضبابية التي اتسم بها موقف الاحزاب السياسية المعارضة من مسألة الانفصال.. فهذه القوى الحزبية المعارضة ظلت حليفة للحركة الشعبية في كل مواقفها العدائية للشمال بالرغم من اضطهاد الحركة الشعبية لهذه الاحزاب ورفضها للمشاركة في محادثات «نيفاشا».. لكن المعارضة عندما فشلت محاولاتها لاسقاط النظام استجارت بالحركة وكونت معها تجمع احزاب جوبا.. ولكن الحركة ادارت ظهرها لهذه الاحزاب بعد فترة قليلة.. الامر الذي جعل أحد اهم المتحمسين لتكوين هذا التجمع والمتحمسين للتحالف مع الحركة الشعبية.. ان يفتح لاولاده نوافذ للعمل التجاري في الجنوب بمبالغ هائلة. بل ذهبت قيادات الاحزاب إلى جوبا للاحتفال مع الحركة الشعبية بتكوين الدولة الجديدة، بل ان بعض تلك القيادات قد عبرت عن فرحتها بالتبشير في الفنان محمد وردي ابتهاجاً بالاستقلال.. وأسأل صديقي الفنان الكبير محمد وردي الذي عبر من خلال الصحف عن حزنه الشديد بالانفصال.. هذا الحزن نعبر عنه بالغناء والمشاركة.. ام ان هذا تعبير جديد للحزن؟.. وبمناسبة تبشير الدكتور الترابي في الفنان محمد وردي لم استغربه.. لان الدكتور الترابي عندما كان طالباً في فرنسا في بداية الستينيات قام اتحاد الطلبة السودانيين هناك بتوجيه دعوة للفنان وردي.. و عندما وصل وردي إلى باريس كانت في استقباله مجموعة من الطلاب وعلى رأسهم الطالب حسن عبد الله الترابي.. الذي كلفه الاتحاد بمرافقة الفنان محمد وردي طوال فترة زيارته إلى باريس.. هذا ما قاله لي الفنان محمد وردي وقد اشاد وقتها بحسن تعامل الطالب حسن الترابي معه. الآن الحركة الشعبية اصبحت حزباً اجنبياً في دولة اجنبية.. كيف سيكون موقف الاحزاب السياسية الوطنية؟.. هل ستؤيد هذه الاحزاب اطماع الحركة الشعبية في الشمال.. وفي جنوب كردفان والنيل الازرق؟ ام سوف تتخذ موقفاً آخر؟.. وكما يقول عادل امام.. انا لا اعتقد ان هذه الاحزاب ستتخذ موقفاً معارضاً لمخططات الحركة الشعبية حتى لو احتلت الخرطوم.. وهذا ما تريده بعض هذه الاحزاب. نحن نطالب هذه الاحزاب الوطنية وكافة القوى الوطنية ان تدرك خطورة مخططات الحركة الشعبية ضد السودان.. وان تعمل لدرء مخاطرها.. حتى ولو بالنصح.. ان الجمهورية الثانية محفوفة بتحديات ومخاطر كبيرة ومتعددة.. والمطلوب التعامل مع هذه التحديات و تلك المخاطر بعقلية مفتوحة وبذهن مفتوح.. لقد عرفت أحزابنا السياسية بوطنيتها العالية في كل الحقب السياسية التي مرت على بلادنا خاصة الحقب الشمولية والعسكرية.. ناهضت تلك الحقب لكنها لم تتامر على السودان.. ولم تساعد اجنبياً على الوطن.. لكن السؤال المنطقي: ما هو موقف هذه الاحزاب من الانفصال؟.. وما هو الجهد الذي قامت به لمنع حدوث الانفصال؟.. وما هو موقفها من تحركات الحركة الشعبية المعادية للسودان؟.. وأين ستقف؟!! اسئلة لا بد من الإجابة عليها. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 14/7/2011م