ويلات الحرب التي خاضها أبناء النوبة في إطار الحركة الشعبية على مدى أكثر من عشرين عاماً لم تقتصر على عشرات آلاف الشهداء والمعوقين، بل طالت أهل الإقليم جميعاً نزوحاً وتشرداً وتخلفاً في التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية، بناءً على هذه الخلفية فإن الحرب الدائرة في جنوب كردفان مغامرة غير مبررة ومرفوضة ومدانة، لأنها اشعلت بدون استنفاد فرص الحوار، ولأن قرارها اتخذ بواسطة مجموعة محدودة حول الحلو، وبتغيب مقصود كثير من قيادات الحركة الشعبية في الإقليم في شأن مصيري وخطير، فكانت وبالاً على الأبرياء في أرواحهم وممتلكاتهم واقتصادهم وتعليم أبنائهم. لذلك نرفض ما ترتب عليها من تجاوزات غير مبررة من أعمال نهب وسلب وتشريد طال الأبرياء".. بهذه الكلمات الموجزة عبر الفريق دانيال كودي، قبل أسبوعين من الآن ملخصا في بيان لأبناء النوبة موقفه من الحرب التي أشعلها، رئيس الحركة الشعبية بجنوب كردفان، عبد العزيز آدم الحلو، باسم النوبة وإفادات الفريق كودي هذه تغري المراقبين والباحثين للحديث عن العلاقة بين أبناء النوبة والحركة الشعبية التي باعتهم بعد انفصال الجنوب. وباعتقالها القائد تلفون كوكو منذ أغسطس 2009م، تكون قيادة الحركة الشعبية، قد كشفت كلية عن نظرتها الحقيقية لمنطقة جبال النوبة وإنسانها، أي أنها تنظر اليها من زاوية ما يحقق مصالح الجنوب فقط في الحرب والسلام، وليس كمنطقة "مهمشة" من قبل المركز ولها مظالم وحقوق يستهدفها مشروع "السودان الجديد" كما تزعم وتدعي الحركة الشعبية. وكشفت قيادة الحركة الشعبية عن مستوى اخلاقي لا يشبه شعارات التحرير والنضال كما كشفت هذه العملية أيضاً أن الحركة قد استغلت أبناء جبال النوبة لتحقيق أهداف الحركة في الجنوب، لتقابلهم بجزاء سنمار، وتبيعهم في نهاية مطاف نيفاشا بأبخس الاثمان. فالمنطقة لم تخرج من اتفاق نيفاشا الا ببروتوكول باهت وفضفاض لم يعوضها حتى عن خراب العشرين عاما من الحرب الاهلية التي فرضتها الحركة الشعبية على المنطقة وأهلها، فالحركة الشعبية هي التي حولت إقليم جبال النوبة الى مسرح لعملياتها العسكرية طيلة هذه المدة تحت لافتة "السودان الجديد" واستخدمت عشرات الآلاف من أبنائه وبناته كوقود لمحرقة الحرب، وسالت دماء غزيرة من هؤلاء من أجل "السودان الجديد" على أرض الجنوب، وبعد نيل كل ما تريده لا تتردد في اعتقال القيادات بدم بارد. فمنطقة جبال النوبة لم تحصد من الحرب غير الخراب والتشريد والموت الجماعي، مقابل تضحيات تفوق تضحيات أبناء الجنوب أنفسهم، ولا يزال الآلاف منهم يموتون بلا وجيع في الحروبات القبلية بين قبائل الجنوب أو في إخماد تمردات الحركة الشعبية، وهي شؤون لا علاقة لها بأسباب انتسابهم للحركة الشعبية. وسبق للحركة الشعبية أن اغتالت بعض القيادات من أبناء جبال النوبة بينهم "عوض الكريم كوكو ويونس أبو صدر"، بسبب اعتراضهم على طريقة ادارة الحرب الاهلية في الاقليم، بذات الطريقة التي تدار بها في الجنوب. فبرأى هؤلاء ان الاقليم يختلف عن الجنوب من حيث التكوين الاجتماعي وادارة الحرب على أسس عنصرية فيه سوف تضر بعلاقات القبائل في الاقليم، وتفتح جبهات لا فائدة منها. وبدلاً من النظر الى رأي هؤلاء كأبناء للاقليم يعرفون عنه أكثر من غيرهم كافأتهم قيادة الحركة بالاعتقال والحبس والتعذيب قبل ان تقوم باعدام هذين القائدين في عام1994م. الدكتور صديق تاور كافي – المحلل السياسي – اعتبر في حديث ل"الرائد"، أن أداء النوبة في الحركة الشعبية، كان أداءً منفراً، وقال كافي "عاد الجميع ووصدوا الأبواب أمام أبناء النوبة المخلصين أو حتى الذين بدأوا معهم مشوار النضال بحجة أنهم الوحيدون الذين يحق لهم التحدث باسم النوبة اما غيرهم فعليهم بالصمت والطاعة". و تساءل "الآن ماذا جنى النوبة الكل خاسر"، وتابع قائلا: "لقد أبعدوا اللواء دانيال كودي واستبدلوه بعبد العزيز الحلو ودانيال ابن النوبة ومهما كان فإنه لن يخون قضية النوبة لأنه نوباوي أصيل وصدق المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك)، ويواصل كافي بالقول "الآن تلفون كوكو لا يزال معتقلاً ولا حياة لمن تنادي. أما عبد العزيز الحلو فقد قبض الثمن ولا يهمه أمر النوبة كما فعل من قبل حينما هاجر إلى الولاياتالمتحدة دون أن يخطر أحداً، والآن لا يحتاج إلى النوبة لأنه ببساطة ليس منهم ولا من جنوب كردفان. فماذا سيفعل النوبة الآن، لقد خان القضية وباع النوبة كما باع الجنوبيين. لكن هل يوجد مبرر حتى يحمل الحلو السلاح في وجه حكومة السودان؟ اللواء كودي لا يرى مبررا لذلك، إلا إذا أراد الحلو أن يخدم أجندة تخصه هو، ولا تخص شعب جنوب كردفان. وأضاف كودي في مؤتمر صحفي عقده أمس الأول، "عبد العزيز الحلو لم يستشر أحداَ في حربه الأخيرة.. وهذا هو الخطأ، وكان من الأحسن والأجدر أن يشركنا في الأمر ونتخذ قراراً جماعياً، ولكنه لم يستشرني، ولم يستشر خميس جلاب أو تابيتا بطرس أو غيرهم من القيادات.. فالحلو أتخذ قرارًا من غير أن يفكر فيه أو يشاور القيادات ويعرف ما هو الهدف النهائي من هذه المسألة". ويضيف الفريق دانيال كودي، قائلا "إن عبد العزيز كقائد لا غبار عليه وما عندنا معاهو مشكلة، لكنه حسب ما أعتقد فإنه إنجرف كثيراً لأشياء لا تهم الولاية، مثلاً في بيانه الذي أصدره يتحدث عن القيام بإنتفاضة والعمل لإسقاط النظام، ومحل ذلك ليس جنوب كردفان أو شعب جنوب كردفان، وخاصة النوبة" وتابع "إذا كان يريد تغيير النظام فليأت إلى الخرطوم ويتفق مع الأمة والشيوعي وكل القوى التي تعمل على إسقاط النظام بطريقة سلمية". وحول العلاقة بين الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان ودولة الجنوب، يقول منير شيخ الدين جلاب، رئيس الحزب القومي الديمقراطي الجديد، "إنها وبعد انفصال الجنوب لا بد أن تأتي في سياق العلاقة بين البلدين السودان وجنوبه"، ويضيف شيخ الدين في حديثه أمس ل"الرائد"، "إن أي علاقة تخرج من هذا السياق فإنها تندرج في إطار العمالة"، ورجع شيخ الدين بالقول إن الحركة الشعبية في جنوب كردفان لم تستطع طيلة هذه الفترة الفكاك من الحركة الشعبية الأم، حتى بعد اختيارها الانفصال في تقرير المصير الذي جرى الاستفتاء حوله وأصبح الجنوب دولة، وظلت الحركة تأخذ الأوامر من الجنوب، وتسير بأفكار قيادات الجنوب وابتعدت برؤاها عن القيادات الأخرى في جنوب كردفان، التي لها الحق في ان تنتقدها وتصوب برنامجها. ويضيف شيخ الدين: الحركة في جنوب كردفان اقصائية واسيرة قيادتها في جوبا ولم يتيحوا لنا الفرصة في العمل وسط مواطني الولاية، أنا من أبناء جبال النوبة ولا أستطيع التحرك في كافة المناطق بالحبال جنوب كردفان لأن هناك مناطق مغلقة بواسطة الحركة الشعبية.. لكن ماحصاد النوبة بعد مسيرة ثلاثة عقود في الحركة الشعبية؟ أجاب على هذا وبإختصار شديد الحزب القومي الديمقراطي الجديد بقوله: مسيرة النوبة وطيلة هذه الأعوام كانت صفرا كبيراَ فالحركة استخدمت النوبة في حربها لتقرير المصير والانفصال فكان لها ما أرادت وبعدها أعادت النوبة إلى المربع الأول الذي أخذتهم منه. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 9/8/2011م