الأيام، بل ربما الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى ليبيا، وما يمكن الحديث عنه ليس النتيجة التي ستتمخض عنها المعارك، فهذه شبه محسومة، وانما رحلة ما بعد انهيار النظام وانتصار قوات المعارضة. كان واضحاً منذ البداية ان السؤال ليس حول عما اذا كان نظام الزعيم الليبي سيسقط ام لا، وانما حول المدة التي ستستغرقها عملية السقوط هذه، لان هذا النظام كان يقاتل معارضة مدعومة بحلف الناتو الذي يضم ثلاثين دولة بزعامة الولاياتالمتحدة ويملك اكبر ترسانة من الاسلحة الحديثة في العالم وربما التاريخ باسره. الامتحان الاصعب في رأينا هو كيفية ادارة ليبيا، والصورة التي ستكون عليها في مرحلة ما بعد القذافي في ظل الانقسامات الواضحة للعيان في صفوف القوى المناوئة للنظام، فالمعارضة منقسمة فيما بينها، وكيفية توحيدها في جسم واحد عملية ليست سهلة، وربما تكون اصعب من اطاحة نظام القذافي نفسه. تتسارع تطورات الاوضاع في ليبيا على الصعيدين العسكري والسياسي، فقد اعلنت المعارضة الليبية ان قواتها باتت على بعد 12 كيلومتراً من العاصمة طرابلس بعد استيلائها على الزاوية وصرمان، بينما يقول الزعيم الليبي معمر القذافي انه سيبقى في العاصمة حتى النهاية وحث انصاره على التصدي لاي هجوم يستهدفها. على الصعيد السياسي جاء انشقاق الرائد عبد السلام جلود الرجل الثاني في الثورة الليبية سابقاً، وانضمامه الى المعارضة ضربة قوية للنظام الليبي، خاصة ان هناك تكهنات بان الرجل بما يملكه من خبرة ومكانة، يمكن ان يكون البديل الملائم لقيادة المرحلة الانتقالية في مرحلة ما بعد حكم القذافي. اعتراف تونس المفاجئ يوم امس بالمجلس الانتقالي المؤقت كممثل للشعب الليبي اعطى اشارة قوية بان النظام الليبي الذي حكم ليبيا على مدى اربعين عاماً يقترب من نهايته، ان لم يكن قد انتهى فعلاً. فالسلطات التونسية ظلت تمسك العصا من الوسط منذ بداية الازمة، وحرصت على اتخاذ موقف حيادي، ولا بد ان معلومات مؤكدة وصلت اليها دفعتها الى حسم امرها، والانحياز الى المعارضة. من المؤكد ان ايام نظام العقيد القذافي في ليبيا باتت معدودة، فبعد سقوط مدينة الزاوية في الغرب، ومدينة غريان عاصمة الجبل الغربي في الجنوب، باتت خطوط امداده مقطوعة، واصبحت العاصمة طرابلس محاصرة، ومعزولة تماماً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو حول ما يمكن ان يحدث نتيجة الصدامات المتوقعة، في حال حدوثها، بين مهاجمي العاصمة والمدافعين عنها. السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي عبر عن خوفه من اقدام الزعيم الليبي على احراق المدينة بما يملكه من اسلحة خطيرة، وعكس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هذه المخاوف عندما ناشد الزعيم القذافي 'تجنيب شعبه عذابات لا طائل منها عبر التخلي عما تبقى من سلطته' وطالبه 'بان يأمر على الفور القوات التي لا تزال موالية له بالتوقف عن اطلاق النار والقاء السلاح والعودة الى الثكنات، ووضع انفسهم في تصرف السلطات الليبية الشرعية'. الزعيم الليبي يملك بعض اسلحة الدمار الشامل، وبالتحديد براميل من غاز الخردل الكيماوي القاتل، وان كان لا يملك الوسائل الناجعة لاستخدامها حسب اقوال بعض الخبراء. وربما لن يتردد في اللجوء اليها اذا ضاق الخناق عليه، ولم يترك له اعداؤه اي مخرج للمغادرة بطريقة غير مهينة. مدينة طرابلس هي الاضخم في ليبيا، وتعداد سكانها يشكل ثلث تعداد الشعب الليبي تقريباً، ويوجد فيها انصار للنظام الحاكم حتماً، واحتمال انخراط هؤلاء الانصار في حرب شرسة للدفاع عن مدينتهم ونظامهم امر وارد، كما ان احتمال استسلامهم امر وارد ايضاً اذا ما ادركوا ان مقاومتهم لا جدوى منها. المصدر: القدس العربي 22/8/2011