كثيرا ما يدور الحوار حول هل أمريكا مع انفصال السودان أم مع وحدته.. وهنالك من يؤكدون أن أمريكا مع الانفصال، وهنالك من يقولون إن أمريكا مع وحدة السودان لقناعتها بأن الجنوب لا يمتلك مقومات الوحدة.. ولكن أين تكمن الحقيقة.. بالطبع لا توجد إجابة واحدة قاطعة، وذلك لأن السياسة الأمريكية تتحرك على حسب الظروف ورؤية أمريكا لمصالحها القومية.. فقد تكون اليوم مع الوحدة وغدا ضدها إذا تغيرت الظروف.. ولكن قناعتي أن تقسيم السودان وبقية الدول العربية خط ثابت لإسرائيل تستخدم فيه تقاطع مصالحها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية فتتحول الإدارة الأمريكية خادما لإسرائيل في خطتها لتقسيم البلدان العربية وفق ما يسمونه بخارطة الشرق الأوسط الجديد. إن مسئول أمريكي سابق أدلى بتصريحات قال فيها إن أمريكا تسعى لفصل جنوب السودان سلميا قبل حل مشكلة دارفور ومن خلال الاستفتاء في 2011م، ونجد هذا الاتجاه في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه الجنوب والمرسومة والمنفذة منذ عشرات السنين. فإسرائيل تجد مصلحتها في ضرب وتفتيت مختلف أقطار الوطن العربي ولها إستراتيجية خاصة بذلك في السودان تبدأ من التركيز على فصل الجنوب، وأمريكا تربط سياستها دائما بمصلحة وأمن دولة العصابات الصهيونية. وبالطبع فإن الجميع يعرفون الآن الدور الإسرائيلي في جنوب السودان حيث يعترف به الإسرائيليون على أرفع المستويات. ولتبيان هذا الدور لا نحتاج إلى أكثر من أن نرجع للوثائق الإسرائيلية المنشورة للاطلاع على الحقائق. ولذلك تجدنا نركز هنا على كتاب وثائقي هام صدر عن (مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب) عام 2003 قام بتأليفه موشي فرجي العميد المتقاعد في المخابرات الإسرائيلية، ويحمل الكتاب عنوان (إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان: نقطة البداية ومرحلة الانطلاق) وتمت ترجمته بواسطة الدار العربية للدراسات والنشر بالقاهرة من اللغة العبرية إلى اللغة العربية. والكتاب يقع في 93 صفحة من القطع المتوسط ويحتوي على معلومات هامة عن دور المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في صنع ودعم حركات التمرد في الجنوب والدعم العسكري والسياسي الذي قدمته إسرائيل لهذه الحركات من أجل زعزعة الاستقرار في السودان واستنزاف موارده وثرواته وتهديد الأمن المائي والسياسي لمصر. ودولة العصابات الصهيونية في دعمها للتمرد في جنوب السودان تنطلق من قاعدة لخصها بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل بالقول: (نحن شعب صغير وإمكانياتنا ومواردنا محدودة ولابد من اختزال هذه المحدودية فى مواجهة أعدائنا من الدول العربية من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية حتى نضخم ونعظم هذه النقاط إلى درجة التحول إلى معضلة يصعب حلها أو احتواؤها). وأصدر بن جوريون أوامره إلى الأجهزة الإسرائيلية بأن تتولى الاتصال بزعامات هذه الأقليات وخلق علائق مختلفة معها. وكان العراق والسودان ولبنان من أوائل الدول المستهدفة من جانب إسرائيل باستغلال التنوع العرقي والثقافي فيها باتجاهات سلبية. وإذا تمعنا في كتاباتهم وتابعناها نجد تحت عنوان التحرك الإسرائيلي إلى السودان من قلب إفريقيا، كتب العميد موشي فرجي في الكتاب المذكور أعلاه: (كان لابد وأن يشكل التواجد الإسرائيلي في الدول المحيطة بالسودان وخاصة إثيوبيا وأوغندا ثم كينيا وزائير مدخلا مهما وأساسيا لدور إسرائيلي فى جنوب السودان. وكانت بداية هذا التحرك خاصة فى أواخر الخمسينات وبداية الستينات متواضعة للغاية. إذ اقتصرت على اتصالات محدودة مع عناصر فى الجنوب ناقمة على الحكومة المركزية في الخرطوم، وهيمنة العرب والمسلمين على مقدرات هذا البلد، مما أوجد تمايزا ضد الجنوبيين على مختلف الأصعدة. لكن هذه البداية سرعان ما تطورت إلى إستراتيجية إسرائيلية نحو السودان . وهكذا نجد أن إسرائيل لا تخفي نواياها، بل تناقشها وتبشر بها وسط اليهود وتعتبر ما قامت به لفصل جنوب السودان وتمزيق بلادنا (عملا جيدا) تفتخر به وسط يهود العالم أجمع.. ويقول نفس القائد الصهيوني إن الجهد الإسرائيلى لإضعاف الدول العربية لا يجب أن يحشد على خطوط المواجهة فقط مع دول المواجهة بل يجب أن ينتشر ليصل إلى قلب الدول العربية التى يمكن أن تصبح دول دعم وإسناد، مثل العراق والسودان، برغم أنهما ليسا في خط المواجهة المباشرة مع العدو.. والسودان والعراق شاركا في كل المعارك العربية ضد إسرائيل. نقلاً عن صحيفة الرائد 5/1/2010م