بعدما أحاط مصيره الغموض طيلة الأشهر الأخيرة، ووجهت حركته نداء لإنقاذه ودعوة للثوار الليبيين كي يحافظوا على حياته، ها هو خليل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة يعود إلى دارفور، وسط تضارب في الأنباء التي يؤكد بعضها عودته، وينفي بعضها الآخر خروجه من السودان أصلاً كي يعود إليه، فيما تنحو أنباء أخرى إلى أن الرجل لا يزال عالقاً في ليبيا، غير قادر على العودة. خليل، الذي حملت معظم عناوين صحف الخرطوم نبأ عودته، وقلل منها المؤتمر الوطني، ليس هو خليل الماضي، ففي السابق، قبل بضعة أعوام فقط، كان الرجل محط أنظار جميع المهتمين يما يجرى في السودان، ابتداء من رجال الحكومة في الخرطوم، مروراً بالمجتمع الإقليمي، وانتهاء بالمسئولين الغربيين وقادة الحركة الشعبية، لسبب منطقي في واقع الأمر، مفاده أن العدل والمساواة كانت فاعلة في الميدان، لا يمر أسبوع أو اثنين دون وقوع اشتباكات ومعارك بينها والجيش، فاعلية بلغت ذروتها مع قدوم الرجل على رأس جيشه إلى الخرطوم غازياً. أما الآن، فقد خليل إبراهيم الكثير من نجوميته السياسية والعسكرية، نجومية خسرها بعد انكسار شوكة جنوده في شوارع أمدرمان، وبعدما نفض الرئيس التشادي إدريس ديبي يده ويد نظامه عن دعمه، وأخيراً بعد انهيار عرش ملك ملوك أفريقيا وملك ملوك داعمي حركة العدل والمساواة معمر القذافي، ليفقد خليل بذلك مموله الرئيسي، وعدداً لا يستهان به من جنوده وقادته الذين قتلوا أو ألقي القبض عليهم بعد غزو أمدرمان، ويفقد حديقته الخلفية التشادية التي كان يستطب وجنده فيها ويلتقطون أنفاسهم ويتلقون عبرها هدايا الأصدقاء ويتدربون فيها على مهاجمة القوات المسلحة. د.أمين حسن عمر، رئيس وفد الحكومة إلى مفاوضات الدوحة، وصف في حوار سابق مع (الرأي العام) أحوال الحركات بما فيها العدل بالقول: الحركات تدرك أنها لا تملك القدرة على هذه المواجهة بسبب أوضاعها اللوجستية وعدم امتلاكها الوقود والمعينات وخطوط الإمداد، ولكن تضخيم الدور الأمني لهذه الحركات هو مجرد تخوف عند البعض أو شعور وهمي أنه لابد من أن يذهب أي مهدد أمني في دارفور أو غيرها، هذا وهم، وأية دولة ستواجه عدداً من المهددات، والمعيار هو قدرتها على احتواء هذه المهددات. كل تلك المعطيات، التي تجعل حركة المساواة نمراً عسكرياً وسياسياًَ من ورق مقارنة بما كانت عليه في الماضي، يدركها قادة الحركة جيداً على ما يبدو، ففي ذات التصريح الذي أكد فيه عودة زعيمه، بعث د.الطاهر آدم الفكي رئيس المجلس التشريعي للحركة برسائل عديدة تصب جميعها في خانة واحدة، عدم رغبة الحركة ? وربما عدم قدرتها ? على مواصلة القتال ضد الحكومة المركزية، وبحثها عن السلام في الداخل، وحسن الجوار مع تشاد والجنوب والثورات العربية في الخارج. ما عرف عن خليل، زعيم المهمشين كما أطلق على نفسه حينما غزا العاصمة، وما عرف عن حركته، أنها لا ترتضى لغير إسقاط النظام بالقوة العسكرية بديلاً، فالحل العسكري، حتى وقت قريب، قبيل تداعي عرش القذافي، كان الخيار الحقيقي الوحيد المطروح في أجندة حركة العدل والمساواة ود.خليل. يقول مصطفي تيراب القيادي بأحد أجنحة حركة تحرير السودان أن إعادة تفعيل العمل العسكري في الإقليم بواسطة خليل أو غيره أمر مستبعد، بسبب سأم المواطنين من القتال، بل أن الجنود أنفسهم سئموا من طول أمد الحرب، ما يعني أن السلام بات الخيار الراجح بالنسبة لهؤلاء. عودة الطبيب البشري السابق للميدان، ليست فارغة تماماً من المحتوى بالنسبة للحكومة في واقع الأمر، فخليل إبراهيم هو خليل إبراهيم، رجل مولع بالقتال والمعارك منذ أيام الإنقاذ الأولى، عندما دفع بنفسه فيمن دفعوا بأنفسهم إلى حرب الجنوب، فضلاً عن كونه رجلاً لا يجيد قراءة الملعب السياسي والتحرك بين المواقف والتحالفات، ما يدفع البعض للقول بأن بروز الرجل في الميدان، ربما تلحق به تداعيات من النوع المزعج كما نوه الى ذلك والي شمال دارفور عثمان كبر، وإن كان الرجل قد فقد حلفاءه الخارجيين، فإن حلفاء جددا في الداخل قد برزوا، فعندما كان خليل يحارب الحكومة المركزية في الماضي، كان عبد العزيز الحلو القائد العسكري للحركة في جنوب كردفان، ومالك عقار القائد العسكري والسياسي للحركة الشعبية في الشمال ينعمان بعلاقة شراكة مع الخرطوم، ويقف زعيمها السابق سلفاكير في جوبا عقب الهجوم على ام درمان ليعلن دعمه وتأييده للنظام الدستوري القائم حينها، وتشارك قواته في تأمين العاصمة عند منطقة جبل أولياء من أي تسلل محتمل لقوات خليل. أما اليوم، فعقار والحلو وعرمان، أشد قرباً لخليل مما مضي، خاصة عقب توقيع اتفاق كاودا بين مناوي وعبد الواحد وحركة العدل وبين الحركة الشعبية بالشمال، ورغم أن بعض الأنباء نقلت عن قيادات في العدل والمساواة عدم دعمهم لتحالف كاودا، باعتباره تجمعاً للعلمانيين والعدل حركة إسلامية المنشأ والتوجهات كما هو معروف لكن البندقية الموجهة إلى الخرطوم قد تجمع ما فرقته الآيدولوجيا، ولو إلى حين. المتغير الآخر الذي يجعل من عودة خليل إلى الميدان حدثاً قد تلحق به أحداث هو ميراث القذافي، فالأنباء المتواترة تفيد بأن خليلا تلقى كميات كبيرة من الذهب والسلاح فضل القذافي منحها له على وقوعها غنيمة في أيدي الثوار، ما يعني أن قدرات الرجل المالية ومستوى تسليح جنوده قد يعود إلى سابق عهده، إن لم يكن أفضل، ولكن يبدو ان هذا الاحتمال بعيد فالقذافي لم يكن في موقع للمفاضلة بين ان يقع السلاح في ايدي الثوار او يمنحه لخليل، وانما كان هو محتاجا اليه لحماية نظامه المتداعي. العدل والمساواة، خسرت العديد من معاقلها لصالح القوات المسلحة خلال الفترة الماضية، وتراجعت وتيرة هجماتها المؤثرة، وتركز نشاطها خلال الآونة الأخيرة في جنوب كردفان عقب الهجوم المشترك الذي شنته بالتنسيق مع الجيش الشعبي، وبعد عودة خليل إلى الميدان ثانية، فإن العمليات العسكرية المنفردة والمشتركة للحركة لن تتصاعد كما يقول الكثيرون- حتى ولو كانت مدفوعة بزخم رجوع (زعيم المهمشين) كما ينادي خليل نفسه وبصحبته ذهب القذافي، فخليل فقد خطوط الامداد الخلفية التي كانت تتوفر له، وزمن نجوميته العسكرية قد ولي إلى غير رجعة..! نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 18/9/2011م