في اللقاء الذي جمع الأستاذ علي عثمان محمد طه_ النائب الأول لرئيس الجمهورية _ بالنخب السياسية والإعلامية في مصر مساء أمس الأول بفندق سونستا بالقاهرة، احتشدت كثير من المعاني في فضاء القاعة التي اكتظت بالحضور،قدر مفيد من الصراحة في التناول اتسمت به المداخلات، ووضوح في رؤية الخطاب السياسي ميز إفادات علي عثمان وهو يتحدث بعمق وإلمام جعل كلماته تنفذ إلى مسامع وقلوب الجميع فيما يبدو، هموم الراهن في السودان ومصر كانت حاضرة في خطاب طه، وأشواق البلدين لعلاقات إستراتيجية تلبي تطلعات البلدين كانت قاسما مشتركا في تناول الحاضرين رغم اختلاف الرؤى الفكرية والمشارب السياسية. طه لامس كثيرا من هموم المصريين خلال اللقاء ، استطاع أن يقدم (روشتة) سياسية تعالج أوجاع القاهرة في مرحلة ما بعد الثورة، كما انه تحدث باستفاضة عن مستقبل العلاقة مع دولة جنوب السودان على ضوء ما يدور الآن في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفيما يلي تلخيصا لأهم ما جاء في حديث النائب الأول أمام النخب السياسية والإعلامية في مصر. ثورة مضادة قال النائب الأول في مستهل حديثه: إننا جئنا إلى ارض الكنانة لندير حوارا في ظل هذا الاندفاع والكسب السياسي والديمقراطي في مصر بعد نجاح ثورتها الشعبية داعيا إلى أن تكون هناك قاعدة صلبة وأهداف ومقاصد عليا تجعل القاعدة الشعبية تتباين في الآراء وتبتعد عن التمزق والشتات. وأشار إلى أن هناك ثورة مضادة وان فعل الانطلاق والتحرر يقابله رد فعل يقود الناس إلى الحضيض منبهاً النخب السياسية إلى ضرورة أن تفوت الفرصة على هؤلاء لتضمن استمرار المسيرة نحو غاياتها والانتباه إلى أن الثورة المضادة تستخدم ذات الأساليب ولكن بصورة خطيرة ومخفية. (كهربة) قضية الأقباط ودعا طه النخب المصرية إلى الاتفاق حول برنامج الحد الأدنى والقواسم المشتركة التي يمكن أن تقود إلى وحدة الصف وتماسك الأمة العربية عامة وشطري وادي النيل خاصة, محذرا من أن قضية الأقباط في مصر ( فيها كهربة أكثر من اللازم) معربا عن أمله في أن تتوصل النخب المصرية إلى توافقات لتعضيد الثورة وإنفاذ أطروحاتها وتحقيق شعاراتها. وقبل النائب الأول الدعوة التي وجهت له من قبل بعض القوى والنخب التي شاركت في اللقاء, وقال إنني أرى فيها نفادا ونحن بحاجة إلى أن نتنزل لمثل هذه الملتقيات الشعبية وان تكون هناك مخاطبات ومنتديات مشتركة مع كافة شرائح المجتمع سواء في السودان أو مصر لتوحيد الفهم وتقريب المواقف أكثر. (سر ضعفنا) وقال طه إن هناك انقساما في الرأي العام العربي حول العدو المركزي لامتنا العربية موضحا أن الموقف من أمريكا وإسرائيل بدلا من أن يجمعنا ويصبح احد نقاط الحد الأدنى التي يمكن أن تلتقي حولها النخب والقيادات السياسية بما يقود الفكر ويعبئ ويحشد الطاقات والموارد ،أصبحنا منقسمين حوله وان سر ضعفنا وتأخرنا وتدهورنا يرجع لهذا الانقسام. وأضاف: شئنا أم أبينا أصبحنا بين معسكرين داخل كل وطن عربي ,مبينا انه لابد من مواجهة هذه التحديات لان تأثيرها على مصر في ثورتها الجديدة سينتقل إلى محيطها الإقليمي وتابع: (هي وحدها لا تستطيع مواجهة هذه التحديات ولا بد أن تستصحب معها السودان إضافة إلى بعدها العربي والإسلامي). مخططات خطيرة وقال إن مصر وهي تشكل موقفها السياسي الجديد تواجه خطرا وتحديات إستراتيجية فيها تحالفات خطيرة ,وهذا الأمر لا ينبغي أن تواجهه مصر بأفعال صغيرة . وقال إن المخطط الذي بدأ عندنا في جنوب السودان منذ حقب وعقود ليس لديه فرصة ليتكرر الآن في مناطق أخرى، وقال: إنهم يحاولون الآن في دارفور إلا أننا توصلنا لاتفاقية سلام في الإقليم حيث نتأهب لبدء تنفيذها على ارض الواقع انطلاقا من الأسبوع المقبل بهدف تعزيز الجهود المبذولة لتحقيق استقرار الأوضاع في دارفور. وقال :إننا فقدنا جزءا من وطننا بسبب ذات التآمر في وقت فقدنا فيه السند والدعم من الأشقاء وتشابه بيننا المكر الخفي والأجندة القائمة على شد الأطراف بدعاوى التهميش وعدم التوازن والظلم في قسمة الموارد والتنمية ,داعيا إلى تفويت مثل هذه الحيل. دعم عربي للتمرد وأبان أن حركة التمرد في الجنوب وجدت السند أولا في الإطار العربي بغرض التودد الذي ضاع سدى موضحا أن ليبيا هي أول دولة وفرت السند والسلاح للحركة، وتابع: إن ذلك جاء على لسان الراحل قرنق في أول مقابلة لي معه, وان ثاني دولة عربية وفرت ذات الدعم هي اليمن الجنوبي في عهد الاشتراكية. وأكد طه إن الرئيس اليوغندي يوري موسفيني هو من قاد فصل جنوب السودان ويقود الآن حراكا لتغيير النظام في الخرطوم لوقف الزحف العربي باتجاه إفريقيا . المشاركة في الحكومة وفى رده حول مساعي المؤتمر الوطني لإشراك القوى السياسية في الحكم، قال النائب الأول لرئيس الجمهورية إننا قد أدرنا حوارا مع كافة القوى السياسية في السودان من اجل المشاركة في الحكم ورغم أننا لم نتوصل لصيغة مشاركة إلا أن الحوار أفضى إلى تفاهم يمكن أن يشكل أرضية لمزيد من الاتفاق على الدستور ومعالجة قضايانا . وقال إن كل الذي جرى مع هذه الأحزاب هو الوصول إلى برنامج مشترك ..و إن هناك أكثر من سبعة أحزاب تشارك في الحكومة وكنا نطمع في أن تشارك معنا قوى أخرى لكن العبرة ليست بتحمل أعباء وزارية لكن العبرة الأكبر هي أن تشترك في توحيد المواقف والمفاهيم التي يلتزم الجميع بالدفاع عنها والتمسك بها سواء أكان ذلك في المعارضة أو المشاركة في الحكم . رسالة لسلفا كير وحول العلاقة مع دولة جنوب السودان قال طه : إن الحرب التي تجري في جنوب كردفان والنيل الأزرق سببها باختصار شديد انه قبل الانفصال كانت هناك الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطار المخطط الذي يستهدف تغيير هوية السودان فأنشأت لها امتدادات في المنطقتين وحاولت أن تمتد إلى شرق السودان والى دارفور. وأشار طه إلى أن هذه المجموعات بعد أن انفصل الجنوب أصبح من الواضح وبموجب اتفاقية السلام بل من المطلوب والمفروض ومن الواجب على الحركة الشعبية أن تأخذ قواتها جنوباً « جنوب خط 1/ 1/ 1956» وألا يكون لها وجود عسكري في الولايات الشمالية وتابع: هذا ما لم يحدث بل إن الذي حدث هو انفصال الجنوب ومع ذلك تمسكت ببقاء قواتها في بلد آخر وتحارب بها حكومة هذا البلد بل أصبح الحديث عن دعوة الحكومة في الخرطوم لإيجاد علاقات سلمية وسوية مع جنوب السودان . وأضاف : حينما جاء سلفا كير رئيس دولة الجنوب إلى الخرطوم الأسبوع الماضي قلنا له وبوضوح: ارفع يدك عن السودان الذي تركته ,وقلنا له كيف يمكن أن تستمر في أن تصرف مرتبات وتقدم سلاحا لمواطنين ولمجموعات من السكان لم تعد تابعة لجنوب السودان وتدفعهم لمقاتلة حكومتهم المركزية ثم تأتي لترتب لعلاقات ايجابية ؟!! تنبيه للقاهرة وقال طه : إنني استغرب للفكرة التي طرحت هنا بان نتقبل هؤلاء ونستمع إليهم ،خاصة وإنني عرفت أن بعض هذه المجموعات تحاول المجئ إلى القاهرة لتتحدث إلى الرأي العام المصري عن أن هناك تحالفا وما ينبغي أن تغيب عنا قضية محورية ونتحدث عن قضية مظهرية بمثل هذا الحديث. و أكد النائب الأول أن غياب وتغييب المعلومات الحقيقية عن النخب المصرية تجاه ما يجري في السودان يكون له انعكاسات سلبية ، وأضاف ما ينبغي لنا أن ندعم هؤلاء دعما معنويا سواء عبر الإعلام أو غيره حتى لا نشهد فصلا جديدا من فصول تمزيق السودان بحجة أن حكومة السودان تتخذ مواقف خطأ وأنها لا تسمح بتمرير إغاثة لمن يحاربها ويحاول أن يفرض عليها الأجندة الخارجية مؤكدا أن هذه المسائل ينبغي أن يعاد النظر فيها كرتين قبل أن نطالب أهل السودان بان يتعاملوا معها بما يحقق أغراض القوى المعادية لنا. الخطأ والصواب وأوضح طه أن لكل نظام تجربة ومرحلة ولكل شعب اجتهادات فيها الخطأ والصواب ولو تتبعنا الأخطاء وحاولنا أن نحاسب فيها أنفسنا فلن يسلم منا احد ولو في طورنا الجديد هذا سواء في مصر أو السودان ، ولكن علينا أن نقيم ميزان عدل بين حساب الأخطاء وبين المسائل الأساسية . قواسم مشتركة ندوة علي عثمان بالقاهرة تخللتها مداخلات عديدة من أطراف يمثلون تيارات متباينة ، لكن القاسم المشترك في إفاداتهم الحرص على ضرورة إحكام التنسيق بين مصر والسودان والانتقال بالعلاقة من مرحلة (التكتيك) إلى الفضاء الاستراتيجي الذي يتناسب وعمق علاقات البلدين.علي عثمان قال إن القاسم المشترك بين من تحدثوا جميعا في اللقاء، على اختلاف رؤاهم السياسية يتفقون على قضية العلاقة المصرية مع السودان وحدة وتكاملا وتنسيقا وتعاونا وخصوصية هي شواهد في أن تكون لدينا مفردات ومحطات لما يمكن أن يكون عليه برنامج التوافق في حده الأدنى. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 13/10/2011م