سارعت ايران الى نفي اي علاقة لها بما بات يعرف بمؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير. فعلت ذلك على لسان المرشد الاعلى علي خامنئي. ثم على لسان الرئيس محمود احمدي نجاد. رأت طهران في الاتهامات الموجهة اليها محاولة لعزلها. وتحدثت عن افتقار الاتهامات الى الادلة والبراهين. وموقف النفي طبيعي بغض النظر عن مجريات المؤامرة. لا يمكن اعتبار الاتهامات الاميركية لطهران مجرد مقطع اضافي من قائمة اتهامات قديمة ومستجدة. انها تختلف في طبيعتها عن الاحتكاكات السابقة بين الطرفين. سلسلة الاحتكاكات الدامية معروفة، من تفجيرات لبنان الى تفجيرات العراق، بعضها مباشر وبعضها الآخر تم بالواسطة. لكنه تميز دائماً بقدر من الاحتراف وغياب البصمات المباشرة لا نعثر عليه في المحاولة الاخيرة المجهضة. اخطر ما في الاحتكاك الجديد انه يجري على الارض الاميركية نفسها. ولنقل الحرب الى الارض الاميركية أثمان غير عادية. تجربة «القاعدة» مع 11 ايلول (سبتمبر) لا تزال طازجة. تبدت الخطورة في تعليقات اعضاء في الكونغرس سارعوا الى انتقاد سياسة الانخراط التي اعتمدها باراك اوباما مع طهران والتي دفعته الى عدم دعم «الثورة الخضراء» التي نجحت السلطات الايرانية في خنقها. استُقبلت الاتهامات الاميركية بقدر من التشكيك او التساؤل في بعض الاوساط. تجربة غزو العراق تساعد على طرح هذا النوع من الاسئلة. لكن صدور الاتهامات عن وزير العدل الاميركي وتأكيد اوباما ان بلاده تمتلك ادلة ليست موضع جدل، أكسبا الاتهامات قدراً غير قليل من الجدية. يصعب تصور اوباما ينخرط شخصياً في اتهامات لا اساس لها ويعرض ما تبقى من رصيده وحظوظه لمجازفة من هذا النوع. اكتسبت الاتهامات صدقية اكبر حين طلبت البعثة السعودية في الاممالمتحدة من الامين العام بان كي مون ان يحيط مجلس الامن علماً بشأن «المؤامرة البشعة» التي «تمثل انتهاكاً للقوانين الدولية وقرارات الاممالمتحدة وكل المواثيق والأعراف الانسانية». تعتمد السعودية ديبلوماسية غير عدوانية وغير هجومية. يمكن القول انها متأنية الى حد الافراط. لا تسارع الى اخراج الخلافات الى العلن. غالباً ما تترك لطبيب اسمه الوقت فرصة لتبريد الملفات حتى ولو كانت مثقلة بالجمر. لا تتبنى الديبلوماسية السعودية تهمة او رواية الا اذا اقتنعت تماماً بحيثياتها وبعد ان يكون الكيل قد طفح. ثمة تجارب سابقة على الارض السعودية نفسها تؤكد رغبة الرياض في الابتعاد عن المواجهات والسعي الى تفاديها حتى حين تمتلك من الادلة ما يكفي للاتهام. اذا اختارت السعودية الآن توظيف ثقلها العربي والاسلامي والاقتصادي في الرد على خطة استهداف سفيرها، ستجد ايران نفسها أمام عزلة مضاعفة. لا نزال في البدايات. اذا تأكدت وقائع «مؤامرة واشنطن»، فإنها ستساهم بالتأكيد في زيادة الضغوط على ايران في الملف النووي وستعيد فتح ملف ايوائها بعض عناصر «القاعدة» وبعض ما يحدث في افغانستان بعد العراق. وسيضاف ذلك الى اصطدام ايران بدول مجلس التعاون الخليجي حول البحرين واصطدامها بقسم من العراقيين والسوريين واللبنانيين بسبب التدخلات و «الربيع العربي» والمحكمة الدولية. قبل عشرة اشهر كان محور الممانعة في حال افضل. وكانت ايران تنتظر الانسحاب الاميركي من العراق لاستكمال حصد الجوائز. اليوم تواجه ايران ملف «مؤامرة واشنطن». وتنزلق سورية نحو عزلة دولية بفعل القلق الذي تثيره ممارسات مؤسستها الامنية ضد المحتجين. وينزلق «حزب الله» الى اصطدام اكثر حدة بنصف اللبنانيين بفعل اصراره على شطب المحكمة الدولية التي شُكّلت إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الشرق الاوسط منجم مفاجآت. اشتداد الصراع في سورية وعليها ينذر بأيام اصعب في الاقليم. الصحافي يسقط احياناً في التكهنات. هل يملك احد من التهور ما يكفي للهروب الى حرب؟ هل نستيقظ على قطعة حربية تحترق في مياه الخليج؟ على انفجار مدوٍّ لسفارة اميركية او اسرائيلية؟ هل سنرى صواريخ تنطلق وطائرات تغير؟ وهل يتحول الاقوياء انتحاريين اذا شعروا بدنو موعد الخسارة؟ اننا في خضم لعبة خطرة بدءاً من واشنطن الى طهران ووصولاً الى بيروت بعد المرور بدمشق. المصدر: الحياة 17/10/2011