في تصريحاته الأخيرة، أشار الأستاذ هيكل إلى أن هناك أكثر من مشروع خارجي تهدف لاحتواء المنطقة العربية واستبدالها بنظام جديد على حساب النظام العربي . وأخطر هذه المشاريع مشروع قديم، وجديده هذه المرة الولاياتالمتحدة ودورها الجديد في المنطقة، وهو الأكثر تأثيراً وهيمنة، والمشروع التركي وطموح دولة كان لها تاريخ وامبراطورية مسيطرة على المنطقة، والمشروع الإيراني الذي لم يتبلور بعد ولم تتضح أبعاده ومستقبله، وهذا متوقف على قدرة الإيرانيين على تغيير قواعد لعبة القوة في المنطقة، وهناك نصف مشروع “إسرائيلي" لا يكتمل إلا بالمشروع الغربي، وإلى جانب هذه المشاريع المشروع العربي المتراجع، الذي بضعفه قد أفسح المجال واسعاً لكل هذه المشاريع أن تتغلغل في قلب النظام العربي . وفي هذا السياق تلوح في الأفق ملامح مشروع سياسي جديد امتداداً لمشروع سايكس بيكو التاريخي الذي قسم المنطقة العربية إلى دول مصطنعة . وليس بالضرورة أن يأخذ هذا المشروع السياسي الجديد الصورة نفسها، بل قد يكون في صورة جديدة لإعادة تقسيم المنطقة على أساس من مناطق النفوذ الجديدة، بين الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة، مع إعطاء دور أو مناطق نفوذ للدول الأخرى، أو الاعتراف بدورها في المنطقة كتركيا وإيران وروسيا والصين . والسؤال: ما علاقة كل هذا بالدولة الفلسطينية، وشكل التسوية النهائية؟ وهل من إمكانية لقيام دولة فلسطينية في قلب الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة؟ والإجابة نعم، ولكن بصورة أخرى، بمعنى أن مفتاح الخريطة السياسية الجديدة هي القضية الفلسطينية، والعمل على تسويتها نهائياً بما لا يتعارض وأهداف المشروع الغربي، ونصف المشروع “الإسرائيلي" . ومن هذا المنطور يبرز التساؤل القوي، هل من مصلحة في قيام دولة فلسطينية؟ وهل قيام هذه الدولة يتعارض مع أهداف المشروع الغربي؟ وما وظيفة هذه الدولة وعلاقتها بالدول الرئيسة، وخصوصاً الدول المجاورة وهي مصر والأردن و"إسرائيل"؟ إذ لا يمكن تصور قيام دولة فلسطينية خارج هذا الإطار الإقليمي الثلاثي . والمفتاح الثاني الذي يلعب دوراً في رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة هو بروز دور الحركات والقوى الإسلامية وخصوصاً حركة الإخوان بكل فروعها وعلى رأسها حماس . وهذا الاعتراف بدور هذه القوى يتطلب منها أن تقدم نموذجاً مرناً واقعياً مقبولاً للإسلام المعتدل على غرار تونس وفوز حزب النهضة والنموذج التركي، وإلا البديل هو عدم الاعتراف بدورها، والدخول في مرحلة من التصادم والفوضى الداخلية، وهذا ما يدفع البعض إلى التحذير من تداعيات الربيع والثورات العربية وما قد تجلبه من انهيار للنظام العربي . الانقسام له وظيفة سياسية في المشروع الغربي . ومما قد يدعم من هذا التوجه بروز قوى في كل من الحركتين ليس من مصلحتها المصالحة السياسية، وحتى مع التسليم بالمصالحة فستكون مصالحة تتوافق مع المشروع الغربي وعملية التسوية السياسية، وهو ما يعني استمرار حالة الانقسام ولكن بثوب جديد من المصالحة، وهذا يستلزم أولاً إيجاد صيغة ما للتسوية لا تمنع من نفوذ كل من الحركتين في غزة والضفة، والبحث عن كينونة سياسية تحت مسمى دولة أو أي شيء آخر، وحيث إن غزة كنموذج لا يمكن لها الاستقلال بنفسها بحكم عوامل كثيرة أهمها المحددات الجغرافية، وهي أن مصر هي المنفذ الجغرافي الوحيد لها، وشاءت الحتمية الجغرافية أن تكون الأردن أيضاً هي المنفذ الوحيد للضفة الغربية، لأن الدولة الأخرى وهي “إسرائيل" هي التي تتحكم في كل المنافذ في الضفة وغزة، وفي هذا السياق الجغرافي لا بد من البحث عن صيغة جديدة للعلاقة بين الضفة الغربية والأردن، والشيء نفسه بالنسبة لغزة ومصر، وهنا قد تبرز مشاريع التنسيق الأمني، والتكامل الاقتصادي، وصور من الاتحادات الكونفدرالية والفيدرالية بين الأطراف المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية . وحيث إن مكونات القضية الفلسطينية كاللاجئين والقدس وغيرهما ترتبط بشكل العلاقة مع هذه الدول المجاورة، ومن منطلق أن لا حل إلا من خلال الحلول الإقليمية . في إطار هذا الفهم قد تذهب غزة إلى مصر بشكل جديد، وكذا الضفة الغربية إلى الأردن مع الحفاظ على الإطار العام للتسوية السياسية وإيجاد مخرج للدولة الفلسطينية . ومما قد يساعد على هذا المشروع أخيراً الدور الذي يقوم به الفلسطينيون، فلم يعد المتغير الفلسطيني له تأثير في المعادلة النهائية للخريطة السياسية للمنطقة، وثانياً أنهم مازالوا يعمقون من حالة الانقسام، ويبتعدون عن المصالحة . هذه مجرد تصورات وتوقعات قد لا تتحقق إذا أدركنا مخاطرها وعملنا على التصدي لها بالمصالحة الحقيقية والتوافق السياسي الذي لا يصطدم مع الواقع الجديد . المصدر: الخليج 27/10/2011