تحليل سياسي رئيسي طوال الست أشهر الماضية ومنذ انفصال جنوب السودان رسمياً عن السودان لم توقف سيل المقترحات الأمريكية حيناً والجنوبية حيناً آخر لحل قضايا الحدود بين البلدين. المقترحات الأمريكيةالجنوبية حتى الآن كان مصيرها الرفض وفى أحيان أخري التجاهل من قبل الحكومة السودانية لأسباب مختلفة فى كل حالة؛ ولكن القاسم المشترك الأعظم حيال هذه المقترحات أنها تتحاشى دائماً الحلول المنصوص عليها فى اتفاقية السلام الشاملة وتبحث عن (حلول لا تخلو من ظلم للجانب السوداني). آخر المقترحات الأمريكية التى ظهرت مؤخراً هو مقترح واشنطن القاضي بتقسيم جنوب كردفان (مناصفة) بين الطرفين، جزء يؤول الى الحركة الشعبية (جنوب كردفان) وجزء آخر للحكومة السودانية (غرب كردفان) وذلك لحين انتخابات أخري مقبلة! المقترح الأمريكي لم يُعرف بعد على ماذا استند وما هي تقديرات واشنطن بشأنه؟ هل تود واشنطن إنقاذ رقبة الحركة الشعبية والمحافظة على وجودها فى كردفان بعدما فقدت معاقلها فى النيل الازرق عقب اجتياح الجيش السوداني لمدينة الكرمك الحدودية مؤخراً وفقدان عقار ومجموعته لأي وجود لهم هناك؟ هل خشيت واشنطن من استدارة الجيش السوداني وفعل ذات الشيء بقوات الحلو فى جنوب كردفان فسارعت لاهثة الى تقديم هذا المقترح؟ أم أن واشنطن (صادقة وأمينة) فى طرحها للمقترح وتود فقط ضمان استقرار المنطقة وإبعاد دولة جنوب السودان والوليدة عن الازمة التى من المؤكد أنها سوف تهدد استقرارها عاجلاً أم آجلاً؟ ما من شك ان لواشنطن أسبابها ولكنها غير واضحة وان كان من السهل استشفافها، فهي باتت بالفعل تخشي من ذوبان الحركة الشعبية المتبقية بالسودان بما يفقدها فرصة المناورة فى تعاملها مع الحكومة السودانية. هذا المقترح الأمريكي الذى رفضته الحكومة السودانية يأتي هو الآخر عقب مقترح جنوبي كان قد طرحه أمين عام الحركة بجنوب السودان باقان أموم، مفاده ان يتخلي السودان عن منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب مقابل (نفط ومال) يمنحها له جنوب السودان! ولاقي هذا المقترح ذات مصير المقترح الأمريكي، حيث رفضته الحكومة السودانية . كذلك سبق لواشنطن ان قدمت مقترحاً من قبل بتقسيم منطقة أبيي (مناصفة) بين الدولتين وتم رفض المقترح ايضاً من جانب الحكومة السودانية. وبوسع أى مراقب ان يلاحظ فى هذا الصدد أن هذه المقترحات تطرح عادة فى ظروف ضعف تعيشها الحركة الشعبية شمالاً أو جنوباً، فمقترح تقسيم أبيي مناصفة مثلاً جري طرحه من الجانب الأمريكي فى وقت كانت فيه دولة جنوب السودان الوليدة تواجه تمرداً عسكرياً متصاعداً ووجود الحركة على سدة السلطة صار مهدداً والمخاوف من اتساع دائرة العنف وانهيار الدولة فى مهدها كانت تتزايد وهو أمر – لسوء الحظ – لا يزال ماثلاً حتى الآن. مقترح أموم ايضاً بشراء أبيي جاء فى ذات الظروف السيئة التى تعيشها دولة جنوب السودان وظهور حالات حروب بدأت باحتلال المدن بما بات يهدد وحدة واستقرار الدولة الوليدة ولهذا كانت دولة الجنوب تستعجل طيّ ملف حدودها حتى يمكنها التفرغ لقضايا الأمن الداخلي المعقدة. الآن المقترح الأمريكي الجديد حاء هو ايضاً لإنقاذ الحركة الشعبية فى الشمال من جهة بتثبيت وجودها على الأقل فى كردفان وتخفيف العبء الأمني على دولة جنوب السودان من جهة أخري؛ فهي أى واشنطن تبدو مشفقة على حلفائها وهم يتساقطون سواء تحت ضربات الجيش السوداني فى النيل الازرق وجنوب كردفان بالنسبة للحركة فى الشمال، أو تحت ضربات المتمردين الجنوبيين فى ولاية الوحدة ة وما حولها بالنسبة للحركة فى جنوب السودان . إنها مقترحات (إنقاذ) بأكثر مما هي مقترحات إستراتيجية مستدامة وسوف تستمر واشنطن فى كل مرة فى طرح مقترح وستفعل دولة الجنوب ذات الشئ بلا حدود !