ليس صحيحاً أن “الإخوان المسلمين" أو غيرهم من القوى والحركات الإسلامية لا يسعون للوصول إلى السلطة . فالجائزة الكبرى لأي انتخابات هي الفوز في الانتخابات بأكبر عدد من أصوات ومقاعد من أجل تشكيل الحكومة، أو على أقل تقدير التحكم في تشكيلها . ولذلك ليس صحيحاً القول إن الإخوان يريدون أو يسعون للفوز بثلث المقاعد أو بنسبة 45 في المئة فقط من مقاعد السلطة التشريعية في مصر . من يدخل الانتخابات هدفه الفوز فيها، لأنه في هذه المرحلة لا يفكر إلا في الفوز، ثم تأتي بعد ذلك خيارات وتداعيات التعامل مع هذا الفوز . واليوم “الإخوان" أمام تحدٍ سياسي كبير بعد التحول الذي أحدثته الثورة المصرية، والتي سمحت لحركة الإخوان بأن يكون لها دور قوب وفاعل في تحديد مستقبل مصر . لكن هل حركة الإخوان بخطابها السياسي قادرة على التكيف مع هذا التحول والتغير السياسي في بيئة النظام السياسي المصري؟ أم أنها تسعى إلى تحويل هذا التغير بما يتلاءم مع أهدافها ومفردات خطابها؟ والإجابة عن هذين السؤالين تحتاج إلى وضعها في سياقها التاريخي، وثانياً تحتاج إلى تحليل مفردات هذا الخطاب السياسي في الوقت الحاضر . وتاريخياً ومن دون الدخول في تفاصيل المرحلة التاريخية، مرت حركة الإخوان بثلاث مراحل سياسية هي: المرحلة الأولى بدأت منذ نشأة الحركة عام 1928 وامتدت حتى عام ،1954 وهي مرحلة طويلة نسبياً، واتسمت هذه المرحلة ما بين مشروعية الحركة كحركة دعووية، والحظر واعتقال قياداتها ومناصريها ومؤيديها كحركة سياسية تتصادم في أهدافها مع أهداف النظام السياسي الذي ساد خلال هذه الفترة، من نظام سياسي ملكي إلى بداية ثورة يوليو وتحول النظام السياسي إلى نظام جمهوري وطني علماني . ومن أبرز مظاهر التصادم التي ميزت هذه المرحلة في مرحلتها الأولى اغتيال رئيس الوزراء المصري آنذاك محمود فهمي النقراشي على يد أحد أفراد الجماعة، بعد قراره حل الجماعة بسبب نشاطها السياسي . وتلا ذلك اغتيال مؤسس الحركة حسن البنا في عام ،1949 وفي عام 1951 صدر قرار من مجلس الدولة المصري بعدم مشروعية حل الجماعة، ولا شك في أن هذه الأحداث تؤسس لنظرة الحركة إلى أي نظام سياسي، وأيضاً تؤسس لنظرة النظام السياسي أياً كان شكله وتوجهه، وهي نظرة تتسم بالشك والتوجس، وهذه هي المعضلة التي قد تحتاج إلى حل الآن . ومع ثورة يوليو عام ،1952 بدأت العلاقة جيده بمساندة الإخوان للثورة لعدم معرفتهم بتوجهاتها المستقبلية، وهنا قد تبدو المقارنة مفيدة مع الثورة الآن في مصر، إلا أن هذه العلاقات سرعان ما أصابها التوتر والتراجع والتدهور إلى حد الصدام والمواجهة لتناقضات في بنية ومكونات التوجه السياسي لكليهما، لمطالبة الحركة، بالمشاركة في السلطة . والصورة قد تتكرر الآن في مصر وعدد من الدول العربية التي تشهد عملية تحول سياسي لقناعة من الحركة لدورها لفاعل والحاسم في عملية التحول هذه . وتنتهي هذه المرحلة بعد محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر عام 1954 في الإسكندرية، والتي شكلت بداية القطيعة بإعدام بعض قيادات الحركة، مثل الدكتور عبدالقادر عودة، والشيخ محمد فرغلي وسيد قطب . وأما المرحلة الثانية فتبدأ مع عام 1954 لتستمر حتى قيام ثورة يناير في عام 2011 . وتبدأ المرحلة الثالثة مع ثورة يناير التي أحدثت تحولاً في بنية النظام السياسي المصري بتنحي الرئيس مبارك وانهيار نظامه، وعلى الرغم من أن حركة الإخوان لم يكن لها دور مباشر في قيام الثورة في أيامها الأولى، إلا أنها سرعان ما انغمست فيها، وأصبحت مكوناً فاعلاً ومؤثراً من مكوناتها، وصل إلى حد توظيف الثورة لها ولمؤيديها . والسؤال هنا كيف يمكن لحركة الإخوان والتي كانت حركة ملاحقة ومحظورة ثم حركة تكتسب كل الشرعية والعمل بعلانية من خلال كافة أدواتها بما فيها الحزب ألأخير الذي أسسته تمشياً مع هذا التحول، وهو هل الحركة قادرة على التكيف السياسي الشامل الذي أحدثته ثورة يناير، أم أنها تريد تكييف أهداف الثورة لأهدافها؟ هذه هي المعضلة السياسية، التي تواجه الحركة، والتي تحتاج منها إلى قدرتها على تقديم نموذج سياسي كل يتوافق مع هذا التحول ويكون جزءاً منه، وأما إذا أرادت أن تكيف النظام لبرنامجها فهي بذلك تعود بنفسها وتعود بالنظام إلى الوراء . ولعل التحديات والأسئلة كثيرة، وكلها تتعلق بمفهوم مدنية الدولة، وديمقراطية الحكم، والموقف من مفهوم المواطنة أولاً، ومنظومة الحقوق والحريات للجميع من دون تمييز، والموقف من الأقباط الذين يعتبرون مكوناً عضوياً من المكون السياسي والحضاري والسكاني والتاريخي في مصر . هل هم قادرون على تقديم النموذج الإسلامي الذي يراعي ويتكيف مع خصوصية الحالة المصرية، كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة في تركيا؟ فالمعيار ليس في الفوز في الانتخابات والوصول إلى الحكم، ولكن المعيار يكون في القدرة على التكيف مع مصر، وليس تكيف مصر من حركة الإخوان . * أستاذ العلوم السياسية (غزة) المصدر: الخليج 13/11/2011