عدد من كبار المسئولين في الدولة قللوا من أهمية تكوين الجبهة الثورية من بعض مجموعات المعارضة المسلحة. آخر هؤلاء وزير الداخلية إبراهيم محمود حامد، ووالي جنوب كردفان أحمد محمد هارون الذين جاءت تعليقاتهم في صحف أمس الأربعاء. وقبلهما قرأنا كلاما مهما لوزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين. هذا بالإضافة لبعض التقارير والتحليلات الصحفية التي تسلط الضوء على الخبر. طبعا كلام المحلل ليس مثل كلام المسئول الحكومي. فهذا يتكلم من موقعه وذلك يتكلم من موقعه، والموقعان يختلفان. لكن الكلامين قد يتفقان وقد يختلفان. الخبر اختتم بملاحظة لوالي النيل الأزرق السابق مالك عقار قال فيه، حسب (الجزيرة نت)، إن حركته ستتعامل مع حكومة الخرطوم عبر منهجين هما الحرب التقليدية وحرب العصابات المنظمة. هذا الكلام من نوع التبسيط المخل. فالفرق كبير جدا بين منهج الحرب النظامية (وسماها الحرب التقليدية)، وحرب العصابات. الفرق ليس صغيرا بحيث يمكن اختزاله في كلمات إنما هو فرق في المنهج، وطريقة التدريب، وتكوي الجيش، بالإضافة لطريقة المواجهات بين الجيوش. وفيما يبدو أن مالك عقار لم يدرك هذا الفرق الأساسي فبدأ حربه ضد الجيش الحكومي، وهو جيش نظامي ومحترف، بمواجهة اهتم فيا فقط بعنصر المفاجأة فباغت مواقع الجيش بشكل مفاجىء، لكن الجيش النظامي المدرب على امتصاص المفاجآت بشكل سريع وحاسم، امتص المفاجأة. وهي في الواقع لم تكن مفاجأة حقيقية. فمخابرات الجيش كانت تتتبع تحركات مالك عقار، وبالتالي كانت هذه التحركات مكشوفة، وكان رد الفعل الأولي للجيش عنيفا وصاعقا مما اضطر مالك عقار وقيادته لمغادرة عاصمته على جناح السرعة. ولم يستوعب عقار هذا الفرق حتى بعد التجربة فتحصن بمدينة الكرمك مما اضطره لخوض مواجهة مباشرة مع الجيش فأجلاه الجيش عن المدينة. نفس الخطأ كان قد سبقه إليه عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية في جنوب كردفان. اعتمد الحلو على المفاجأة، لكن مفاجأة حرب العصابات تختلف عن مفاجأة الجيوش النظامية. ولذلك نحن نتفهم لهجة الاستخفاف التي تحدث بها المسئولون الحكوميون الثلاثة، وزير الدفاع ووزير الداخلية ووالي جنوب كردفان .. عن الجبهة الثورية. فهم جميعا أهل اختصاص في هذا المجال. الجهات الحكومية تقول إنها أخلت النيل الأزرق من التمرد خلال مواجهات الأيام الماضية. لكن تكمن الخطورة لو اتجه التمرد في جنوب كردفان، إلى منطقة جبال النوبة بالتحديد، إذ لو تحصنوا بالجبال، وهجروا فكرة المواجهة مع الجيش القومي، واستقروا على سياسة اضرب واهرب .. فإنهم سيسببون مشكلة حقيقية. لكن في الغالب هم لن يفعلوا ذلك. فهم حريصون على إثارة الضجة الإعلامية لأنهم يشعرون من خلالها أنهم يفعلون شيئا، بالإضافة إلى أن التمويل المكلف لن يأتي لجماعة (هامدة). الإعلام بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت. هم لن يستغنوا عن الإعلام لأنهم لن يستغنوا عن التمويل. لكن المشكلة أنهم لو انحصروا في منطقة جبال النوبة سيدخلون في عزلة أو شبه عزلة لا يدري أحد كيف ومتى سيخرجون منها، بالإضافة إلى أن تصور انضمام أحزاب المعارضة الشمالية إليهم ضرب من الخيال غير الواقعي. وبعد .. لكن الشيء الأساسي أن العالم يتجه الآن إلى الديمقراطية. البندقية لن توصل إلى الديمقراطية. انحسار الجانب العسكري في حركات دارفور يقول ذلك بصراحة .. ومن يفتح عينيه يرى. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 17/11/2011م